تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٧ - الصفحة ١٠٦
شجرة مباركة وهي الإخلاص لله وحده لا شريك له، فمثله مثل شجرة التف بها الشجر فهي خضراء ناعمة لا تصيبها الشمس على أي حال كانت لا إذا طلعت ولا إذا غربت، وكذلك المؤمن قد أجير من أن يصيبه شيء من الفتن وقد ابتلي بها، فيثبته الله تعالى فيها، فهو بين أربع خلال: إن أعطي شكر، وإن ابتلي صبر، وإن حكم عدل، وإن قال صدق، فهو في سائر الناس كالرجل الحي يمشي في قبور الأموات.
ثم قال: " * (نور على نور) *) فهو ينقلب في خمسة من النور: فكلامه نور، وعمله نور، ومدخله نور، ومخرجه نور، ومصيره إلى النور يوم القيامة إلى الجنة.
وقال ابن عباس: هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن كما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار، فإن مسته النار ازداد ضوءا على ضوئه كما يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم، فإذا جاءه العلم ازداد هدى على هدى ونورا على نور كقول إبراهيم (عليه السلام) قبل أن تجيئه المعرفة " * (هذا ربي) *) حين رأى الكوكب من غير أن أخبره أحد أن له ربا، فلما أخبره الله أنه ربه ازداد هدى على هدى ثم قال " * (نور على نور) *) يعني إيمان المؤمن وعمله.
وقال الحسن وابن زيد: هذا مثل للقرآن في قلب المؤمن، فكما أن هذا المصباح يستضاء به وهو كما هو لا ينقص فكذلك القرآن يهتدى به و يؤخذ به ويعمل به، فالمصباح هو القرآن، والزجاجة قلب المؤمن، والمشكاة لسانه وفمه، والشجرة المباركة شجرة الوحي.
" * (يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار) *) يقول: تكاد حجة القرآن تتضح وإن لم تقرأ، وقيل: تكاد حجج الله على خلقه تضيء لمن فكر فيها وتدبرها ولو لم ينزل القرآن.
" * (نور على نور) *) يعني أن القرآن نور من الله يخلقه مع ما قد أقام لهم من الدلائل والأعلام قبل نزول القرآن فازدادوا بذلك نورا على نور.
ثم أخبر أن هذا النور المذكور عزيز فقال عز من قائل " * (يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس) *) تقريبا للشيء الذي أراده إلى الأفهام وتسهيلا لسبل الإدراك على الأنام " * (والله بكل شيء عليم) *).
ثم قال عز من قائل " * (في بيوت) *) نظم الآية: ذلك المصباح في بيوت ويجوز أن يكون معناه: توقد في بيوت وهي المساجد، عن أكثر المفسرين.
أخبرني ابن فنجويه الدينوري قال: حدثنا ابن حنش المقري قال: حدثنا محمد بن أحمد
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»