تفسير الثعلبي - الثعلبي - ج ٣ - الصفحة ٣٨٢
" * (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) *) يعني يظلمون أنفسهم بالخيانة والسرقة ويرمي بها اليهودي " * (إن الله لا يحب من كان خوانا) *) يعني خائنا في الدرع " * (أثيما) *) في رميه اليهودي وقوله " * (ولا تكن للخائنين خصيما) *). قد قيل فيه: إن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد به غيره، كقوله " * (فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك) *) والنبي لا يشك مما أنزل الله، فإن قيل: قد أمر بالاستغفار (قلنا) هو لا يوجب وجود الذنب ولا يجب أن يستغفر كما أمر في سورة الفتح بالاستغفار من غير ذنب مقدم.
واعلم أن الاستغفار في جميع الأنبياء يعد وجوه منها ثلاثة أوجه: يكون لذنبه مقدم مثل النبوة ويكون لذنب أمته وقرابته ويكون لترك المباح قبل ورود الحضر، ومعناه بالسمع والطاعة لما أمرت به ونهيت عنه وحملت التوفيق عليه " * (يستخفون من الناس) *) أي يستترون ويستحيون من الناس " * (ولا يستخفون) *) أي يستترون ولا يستحيون " * (من الله وهو معهم) *) يعني علمه.
" * (إذ يبيتون) *). الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس: يعني يقولون، عن سفيان عن الأعمش عن أبي رزين: يولعون " * (ما لا يرضى من القول) *) يعني بأن اليهودي سرقه " * (وكان الله بما يعملون محيطا) *) يعني قد أحاط الله بأعمالهم الحسنة.
وتعلقت الجهمية والمعتزلة بهذه الآية، استدلوا منها على إن الله بكل مكان قالوا لما قال " * (وهو معهم) *) ثبت إنه بكل مكان لأنه قد أثبت كونه معهم وقال لهم حق قوله وهو معهم إنه يعلم ما يقولون ولا يخفى عليه فعلهم لأنه العالم بما يظهره الخلق وبما يستره، وليس في وله وهو معهم ما يوجب انه بكل مكان لأنه قال " * (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) *) ولم يرد قوله انه في السماء يعني غير الذات لأن القول: أن زيدا في موضع كذا من غير أن يعتد بذكر فعل أو شيء من الأشياء لا يكون إلا بالذات، وقال تعالى (إليه يصعد الكلم الطيب) وقال: " * (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض) *) فأخبر أنه (يرفع) الأشياء من السماء ولا يجوز أن يكون معهم بذاته ثم يدبر الأمر من السماء وإليه يصعد الكلم الطيب، ولو كان قوله (وهو معهم إذ يقولون ما لا يرضى من القول) ثم أقبل على قوم طعمة وقال " * (ها أنتم هؤلاء) *) أي يا هؤلاء للتنبيه " * (جادلتم) *) أي خاصمتم عن (أبي) طعمة، ومتى سافر أبي بن كعب " * (عنهم في الحياة الدنيا) *) والمطلب به في اللغة بشدة (المخاصمة) وهو من الجدل وهو (شدة الفتل وفيه: رجل مجدول الخلق، وفيه: الأجدل للصقر) لأنه من أشد الطيور قوة
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»