طبق وجعلهم مضغا بعد العلق ثم جعلهم بعد المضغة لحما ثم كسى العظم لحما ثم أنشأناها خلقا آخر ثم شقق فيه الشقوق وخرق فيه الخروق وأمرج فيه العصب ومد فيه القصب وجعل العروق السائرة كالأنهار الجارية بين القطع المتجاورة وألبسه جلدا ومده عليه مدا ثم أولج الروح في الجسد فإذا الجوارح سليمة والقامة مستقيمة وإذا هو بعد أن كان مواتا حيا وبعد أن لم يكن شيئا فشيئا متحركا بعد السكون في رقة ولين بين احشاء متحركة وضلوع متسقة ولهوات في فم يجد منها كل مطعم وانف وخيشوم يأخذ بها كل منسوم أيد بلسان ناطق يشهد انه ليس من صنع الخلائق حكمة إلا أظهرها الحكيم ثم قال: * (وفي أنفسكم أفلا تبصرون) * فهذه عبرة أهل الافتكار والبصيرة والأفكار والحكمة والإتقان.
قوله تعالى: * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * [الآية: 22].
قال يحيى بن معاذ: الأرزاق على ثلاثة أوجه رزق طلبه فرض وهو الجنة، ورزق طلبه جهل وهو الغذاء لا يعدو صاحبه فيه ولا يفوته، ورزق طلبه فضل وهو فضول الدنيا يشتري بها الجنة.
قال القاسم: * (ما توعدون) * من الفناء والبقاء والهداية والضلالة والهلاك والعقوبة.
قال إبراهيم بن شيبان: * (وفي السماء رزقكم وما توعدون) * من الفناء.
قال بعضهم: أي من السماء ينزل رزقكم ولا ينزل إلا بإذنه ولا يثبت إلا بإذنه وما توعدون من الوعد والوعيد في كل شيء اطلبوا الرزق من السماء ولا تطلبوا من عند غيره من المخلوقين.
قال الجنيد رحمة الله عليه: علامة المتقين ترك الاهتمام بما تكفل الله لهم من الرزق.
قوله تعالى: * (هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين) * [الآية: 24].
قال ابن عطاء: ضيف الكرام لا يكون إلا كريما فلما نزلوا بإبراهيم عليه السلام وكان سيد الكرام سماهم المكرمين.
وقال جعفر: مكرمين حيث أنزلهم بأكرم الخليقة وأطهرهم وأشرفهم نفسا وأعلاهم همة وهو الخليل صلى الله عليه وسلم.
قالوا أبو يعقوب السوسي: ما تكلف لهم ولا اعتذر إليهم وهذا من أخلاق الكرام.