تفسير السلمي - السلمي - ج ٢ - الصفحة ٢١
الموقن بالموت والقدوم على الله فيكتب وصيته، ويوصي ويتحرى فيه لطاعة الله عز وجل ومرضاته، ويخرج من مظالم عباده ما أمكنه، ويخرج خروج الميت من دار الدنيا إلى دار الآخرة لا يطمع في العود إليها أبدا فيركب راحلته، وخير الرواحل التوكل ويحمل زاده وخير الزاد التقوى ويكون في سيره كأنه محمول إلى قبره فإذا دخل السارية كأنه أدخل قبره، وعديله عدله في نفسه، وإخوانه من المسلمين ومن ولاه الله أمرهم واسترعاه حقهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
وأنيسه العمل الصالح والذكر، فإذا بلغ موضع الإحرام فكأنه ميت ينشر من قبره، ونودي لوقوفه بين يدي الله ربه وذلك قوله تعالى: * (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا) * إلى قوله: * (ليشهدوا منافع لهم) * والتلبية إجابة النداء بقوله: ((لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك في وحدانيتك، وإلهيتك، وربوبيتك. لبيك إن الحمد والنعمة لك فيما أنهضتنا لزيارتك، وأخرجتنا إلى بيتك، وأهلتنا لذلك، والملك لا شريك لك فيه لا يعتمد في ملكك على أحد سواك. والاغتسال للإحرام كغسل الميت، ولبس ثياب الإحرام كالكفن فإذا وقف في الموقف أشعث أغبر كأنه أخرج من قبره والتراب على رأسه، ودفعه بدفع الإمام، وسيره بسيره كشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه والخلق معه يستشفعون به فيشفع ويشفع، ويسيرون بسيره.
وينصرفون بانصرافه، والمزدلفة كالجواز على الصراط.
ورمي الجمار كرفع البراة فمن قبل منه فاز ونجا ومن لم يقبل منه ورد عليه هلك. والصفا والمروة ككفتي الميزان.
الصفا: الحسنات، والمروة: السيئات.
فهو يعدو مرة إلى هذه الكفة، ومرة إلى هذه الكفة ينتظر ما يكون من رجحان أحد الشقتين. ومنسكا: الأعراف بين الجنة والنار. والمسجد الحرام: كالجنة التي من دخلها أمن من بوائق الآفات. والبيت كعرش الله، والطواف به كطواف الملائكة بالعرش، وحلق الرأس اشتهار بالعمل، كل امرئ يكشف رأسه بعمل، فالمؤمن يباهي به، والمنافق يفتضح به، ونعوذ بالله من ذلك.
وسئل بعضهم ماذا أسأل في الحج وفي الموقف؟ قال: سله قطع نفسك عنه بترك كل ما يقطعك عن القربة، واستعمال كل ما يوجب الزلفة وأنشدت في معناه:
(٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 ... » »»