عبيدة إلى العسكر فمات عبيدة في حال انصرافهم قبل أن يصل إلى المدينة فدفن بمضيق الصفراء ففي هذا الخبر دليل من الفقه أن المشركين إذا طلبوا البراز فلا بأس للمؤمنين بأن يخرجوا بغير إذن الإمام ما لم ينههم عن ذلك لأن الأنصار قد خرجوا قبل أن يأذن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه دليل أنه لا بأس بأن ينصر أحد المبارزين صاحبه لأن حمزة وعليا قد أعانا عبيدة على قتل شيبة وفيه دليل أنه لا بأس بالإفتخار عند الحرب لأن حمزة قال أنا أسد الله وأسد رسوله ولا بأس بأن يتبختر في مشيته في حال القتال ثم خرج مهجع مولى عمر بن الخطاب فأصابته رمية بين الصفين وكان أول قتيل يوم بدر وحرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس على القتال فقال عمير بن الحمام السلمي وهو قائم وفي يده تمرات يأكلها فقال يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله فلي الجنة قال نعم فألقى التمرات وأخذ سيفه وشد على القوم فقاتل حتى قتل فخرج أبو جهل بن هشام على جمل له فخرج إليه شاب من الأنصار يقال له معاذ بن عمرو بن الجموح فضربه ضربة على فخذه فخر أبو جهل عن بعيره فخرج إليه عبد الله بن مسعود فلما رآه أبو جهل قال يا ابن أم عبد لمن الدولة اليوم وعلى من الدائرة فقال له ابن مسعود لله ولرسوله يا عدو الله لأنت أعتى من فرعون لأن فرعون جزع عند الغرق وأنت لم يزدك هذا المصرع إلا تماديا في الضلالة ثم وضع رجله على عاتق أبي جهل فقال له أبو جهل لأنت رويعنا بالأمس لقد إرتقيت مرتقى عظيما فقتله عبد الله بن مسعود وحز رأسه وجاء برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخر رسول الله صلى الله عليه وسلم ساجدا ثم قال لأبي بكر ويقال قال لعلي ناولني كفا من التراب فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قبضة من تراب ورمى بها في وجوه القوم وقال شاهت الوجوه فدخلت في أعين القوم كلهم وأقبل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتلونهم ويأسرون منهم وحملوا على المشركين والملائكة معهم وقذف في قلوب المشركين الرعب وقتلوا في تلك المعركة منهم سبعين وأسروا سبعين وأستشهد يومئذ من المهاجرين والأنصار ثلاثة عشر رجلا ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسارى والغنائم إلى المدينة واستشار النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الأسارى فأقبل على أبي بكر فقال ما تقول يا أبا بكر فقال قومك وبنو عمك فإن قتلتهم صاروا إلى النار وإن تفدهم فلعل الله يهديهم إلى الإسلام ويكون ما نأخذه منهم قوة للمسلمين وقوة على جهادهم بأعدائهم ثم أقبل على عمر فقال ما تقول يا أبا حفص فقال عمر إن في يديك رؤوس المشركين وصناديدهم فاضرب أعناقهم وسيغني الله المؤمنين من فضله فقال النبي صلى الله عليه وسلم مثلك يا أبا بكر من الملائكة مثل ميكائيل فإنه لا ينزل إلا بالرحمة ومثلك من الأنبياء مثل إبراهيم حيث قال * (فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم) * [إبراهيم: 36] ومثل عيسى حيث قال * (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) * [المائدة: 118]
(٩)