فدك الجبل فلم يصدقوه وقالوا لن نصدقك حتى نرى الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فماتوا كلهم فدعا موسى ربه فأحياهم الله تعالى فذلك قوله * (فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون) * إلى الصاعقة * (ثم بعثناكم من بعد موتكم) * يعني أحييناكم من بعد هلاككم * (لعلكم تشكرون) * للحياة بعد الموت سورة البقرة آية 57 قوله تعالى * (وظللنا عليكم الغمام) * خاطبهم وأراد به آباءهم وهم قوم موسى حيث أمروا بأن يدخلوا مدينة الجبارين فأبوا ذلك وقالوا لموسى " أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون " المائدة 24 فعاقبهم الله تعالى فبقوا في التيه أربعين سنة وكانت المفازة اثني عشر فرسخا وكان يؤذيهم حر الشمس فظلل عليهم الغمام ذلك قوله تعالى * (وظللنا عليكم الغمام) * وهو السحاب الأبيض يقيكم حر الشمس في التيه وكان لهم في التيه عمود من نور مدلى لهم من السماء فيسير معهم من الليل مكان القمر فأصابهم الجوع فسألوا موسى فدعا ربه فأنزل عليهم المن وهو الترنجبيل كان يتساقط عليهم كل غداة فيأخذ كل إنسان منهم ما يكفيه يومه وليلته فإن أخذ أكثر من ذلك دود ما زاد عليه وفسد وإذا كان يوم الجمعة أخذ كل إنسان منهم مقدار ما يكفيه ليومين لأنه لا يأتيهم يوم السبت وكان ذلك مثل الشهد المعجون بالسمن فأجموا من المن يعني ملوا من أكله فقالوا لموسى قتلنا هذا المن بحلاوته وأحرق بطوننا فادع لنا ربك أن يطعمنا لحما فدعا لهم موسى فبعث الله إليهم طيرا كثيرا وذلك قوله تعالى * (وأنزلنا عليكم المن والسلوى) * وهو السماني وهو طير يضرب إلى الحمرة قال بعضهم كان طيرا يأتيهم مشويا قال عامة المفسرين إنهم كانوا يأخذونها ويذبحونها وقوله تعالى * (كلوا من طيبات) * يعني قيل لهم * (كلوا من طيبات) * وهذا من المضمرات وفي كلام العرب يضمر الشيء إذا كان فيه دليل يستغنى عن إظهاره كما قال في آية أخرى * (فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم) * آل عمران 106 يعني يقال لهم أكفرتم وكما قال في آية أخرى * (والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله) * الزمر 3 يعني قالوا ما نعبدهم ومثل هذا في القرآن كثير وكذلك قوله ها هنا * (كلوا من طيبات ما رزقناكم) * يعني من حلالات * (ما رزقناكم) * أي أعطيناكم من المن والسلوى ولا ترفعوا منها شيئا كما قال في آية أخرى * (كلوا من طيبات ما رزقناكم ولا تطغوا فيه) * طه 81 يعني لا تعصوا فيه ولا ترفعوا إلى الغد فرفعوا وجعلوا اللحم قديدا مخافة أن ينفد فرفع ذلك عنهم ولو لم يرفعوا لدام ذلك عليهم
(٨١)