أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٦٤٩
هذا لمن أردن ضرره وتلفه وأما من يزعمن أنهن يردن نفعه فينفثن عليه ويوهمن أنهن ينفعن بذلك، وربما يسقينه بعض الأدوية النافعة فينفق للعليل خفة الوجع، فالرقية المنهي عنها هي رقية الجاهلية لما تضمنته من الشرك والكفر، وأما الرقية بالقرآن وبذكر الله تعالى فإنها جائزة وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليها، وكذلك قال أصحابنا في التبرك بالرقية بذكر الله. وإنما أمر الله تعالى بالاستعاذة من شر النفاثات في العقد لأن من صدق بأنهن ينفعن بذلك كان ذلك ضررا عليه في الدين من حيث يعتقد جواز نفعها وضررها بتلك الرقية، ومن جهة أخرى شرهن فيما يحتلن الله من سقي السموم والأدوية الضارة.
وقوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد)، حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال: أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: (ومن شر حاسد إذا حسد) قال: يقول من شر عينيه ونفسه.
قال أبو بكر: قد روت عائشة: " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين ". وروى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " العين حق ": والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم بصحة العين متظاهرة، حدثنا ابن قانع قال: حدثنا القاسم بن زكريا قال: حدثنا سويد بن سعيد قال: حدثنا أبو إبراهيم السقاء عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العين حق فلو كان شئ يسبق القدر لسبقته العين فإذا استغسلتم فاغسلوا ".
قال أبو بكر: زعم بعض الناس أن ضرر العين إنما هو من جهة شئ ينفصل من العائن فيتصل بالمعين، وهذا هو شر وجهل، وإنما العين في الشئ المستحسن عند العائن، فيتفق في كثير من الأوقات ضرر يقع بالمعين، ويشبه أن يكون الله تعالى إنما يفعل ذلك عند إعجاب الانسان بما يراه تذكيرا له لئلا يركن إلى الدنيا ولا يعجب بشئ منها، وهو نحو ما روي أن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها، فشق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: " حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه " وكذلك أمر العائن عند إعجابه بما يراه أن يذكر الله وقدرته فيرجع إليه ويتوكل عليه، قال الله تعالى: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) [الكهف: 39]، فأخبر بهلاك جنته عند إعجابه بها بقوله، فقال (ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا) [الكهف: 35] إلى قوله تعالى: (ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله) [الكهف: 39] أي لتبقى عليك نعم الله تعالى إلى وقت وفاتك. وحدثنا عبد الباقي قال: حدثنا إسماعيل بن
(٦٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 640 641 642 643 644 645 646 647 648 649 650 » »»