العلم به منسد والحكم ببطلانه واجب.
فإن قيل: فلم دعوا للشهادة حتى إذا شهدوا لم تقبل منهم؟ قيل: لأنهم لم يشهدوا على هذا الوجه الذي يرجع من قولهم فيه إلى ثقة، وقيل إنهم كلفوا شهداء من غيرهم ممن تثبت بشهادته صحة.
ونهي عن اتباع الأهواء المضلة. واعتقاد المذاهب بالهوى يكون من وجوه، أحدها: هوى من سيق إليه، وقد يكون لشبهة حلت في نفسه مع زواجر عقله عنها، ومنها هوى ترك الاستقصاء للمشقة، ومنها هوى ما جرت به عادته لألفة له، وكل ذلك متميز مما استحسنه بعقله.
قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق). كانت العرب تدفن أولادها أحياء البنات منهن خوف الإملاق، وهو الإفلاس، ومنه حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " أعظم الذنوب أن تجعل لله ندا وهو خلقك، وأن تقتل ولدك خشية أن تأكل معك، وأن تزني بحليلة جارك ". وهي الموءودة التي ذكرها الله تعالى في قوله: (وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت) [التكوير: 8 و 9] فنهاهم الله عن ذلك مع ذكر السبب الذي كانوا من أجله يقتلونهم، وأخبر أنه رازقهم ورازق أولادهم.
قوله تعالى: (ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن) قال ابن عباس: ما ظهر منها نكاح حلائل الأبناء والجمع بين الأختين ونحو ذلك، وما بطن الزنا.
وقوله تعالى: (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق). قال أبو بكر: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ". ولما أراد أبو بكر قتال ما نعي الزكاة قالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها " فقال أبو بكر: هذا من حقها، لو منعوني عقالا مما كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: زنا بعد إحصان وكفر بعد إيمان وقتل نفس بغير نفس "، وهذا عندنا ممن يستحق القتل ويتقرر عليه حكمه. وقد يجب قتل غير هؤلاء على وجه الدفع، مثل قتل الخوارج ومن قصد قتل رجل وأخذ ماله فيجوز قتله على جهة المنع من ذلك، لأنه لو كف عن ذلك لم يستحق القتل.
قوله تعالى: (ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن). إنما خص اليتيم بالذكر فيما أمرنا به من ذلك لعجزه عن الانتصار لنفسه ومنع غيره عن ماله، ولما كانت الأطماع