أحكام القرآن - الجصاص - ج ٣ - الصفحة ٢٩
من المحظورات على لسان غيره من الأنبياء قوله تعالى: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما) وشحومهما مباحة لنا، وكذلك كثير من الحيوانات ذوات الأظفار. قيل له: ما ذكرت لا يخرج ما عدا المذكور في الآية من أن يكون في حكم المباح على الأصل، ذلك لأن ما حرم على أولئك من ذلك وأبيح لنا لم يصر شريعة لنبينا عليه السلام وبين والنبي صلى الله عليه و سلم أن حكم ذلك التحريم إنما كان موقتا إلى هذا الوقت وإن مضي الوقت أعاده إلى ما كان عليه من حكم الإباحة، فلا فرق بينه في هذا الوجه وبين ما لم يحظر قط. وأيضا فلو سلمنا لك ما ادعيت كان ما ذكرنا من قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيما وصفنا سائغا لأن ذلك مخصوص بالاتفاق، أعني قوله تعالى: (قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه) لاتفاق الجميع من الفقهاء على تحريم أشياء غير مذكورة في الآية كالخمر ولحم القردة والنجاسات وغيرها، فلما ثبت خصوصه بالاتفاق ساغ قبول خبر الواحد واستعمال القياس فيه.
قوله تعالى: (وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر) الآية. قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة والسدي ومجاهد: " هو كل ما ليس بمفتوح الأصابع كالإبل والنعام والإوز والبط ". وقال بعض أهل العلم: " يدخل في جميع أنواع السباع والكلاب والسنانير وسائر ما يصطاد بظفره من الطير ". قال أبو بكر: قد ثبت تحريم الله تعالى ذلك عليهم على لسان بعض الأنبياء، فحكم ذلك التحريم عندنا ثابت بأن يكون شريعة لنبينا عليه السلام إلا أن يثبت نسخه، ولم يثبت نسخ تحريم الكلاب والسباع ونحوها، فوجب أن تكون محرمة بتحريم الله بديا وكونه شريعة لنبينا عليه السلام.
وقوله تعالى: (حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما) يستدل به من أحنث الحالف أن لا يأكل شحما فأكل من شحم الطير لاستثناء الله ما على ظهورهما من جملة التحريم، وهو قول أبي يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة ما على الظهر إنما يسمى لحما سمينا في العادة ولا يتناوله اسم الشحم على الإطلاق، وتسمية الله إياه شحما لا توجب دخوله في اليمين إذ لم يكن الاسم له متعارفا، ألا ترى أن الله تعالى قد سمى السمك لحما والشمس سراجا ولا يدخل في اليمين؟ والحوايا، روى عن ابن عباس والحسن وسعيد بن جبير وقتادة ومجاهد والسدي أنها المباعر، وقال غيرهم: هي بنات اللبن، ويقال: إنها الأمعاء التي عليها الشحم.
وأما قوله تعالى: (أو ما اختلط بعظم) فإنه روي عن السدي وابن جريج أنه شحم الجنب والألية لأنهما على عظم. وهذا أيضا يدل على ما ذكرنا من أن دخول " أو " على
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 ... » »»