لله، وقلدها نعالا، ثم أرسلها في حرم الله، فلعل بعض هؤلاء السودان أن يعقروها، فيغضب رب هذا البيت، فيأخذهم عند غضبه، ففعل ذلك عبد المطلب، فعمد القوم إلى تلك الإبل، فحملوا عليها وعقروا بعضها، فقال عبد المطلب عند ذلك، وهو يبكي:
* يا رب إن العبد يمنع رحله فأمنع حلالك * * لا يغلبن صليبهم ومحالهم عدوا محالك * * (فلم أسمع بأرجس من رجال * أرادوا العز فانتهكوا حراملك * * فإن كنت تاركهم وكعبتنا فأمر ما بدا لك العز فانتهكوا حرامك * ثم دعا عليهم فقال: الله أخز الأسود بن مقصود، الآخذ الهجمة بعد التقليد، قلبها إلى طماطم سود، بين ثبير فالبيد والمروتين والمشاعر السود، ويهدم البيت الحرم المصمود، قد أجمعوا ألا يكون لك عمود، أخفرهم ربي فأنت محمود.
فقال أبو مسعود: إن لهذا البيت ربا يمنعه منعة ونحن له فلا ندري ما منعه، فقد نزل تبع ملك اليمن بصحن هذا البيت، وأراد هدمه، فمنعه الله عن ذلك، وابتلاه وأظلم عليهم ثلاثة أيام، فلما رأى ذلك تبع كساه الثياب البيض من الشطرين وعظمه، ونحر له جزرا، ثم قال أبو مسعود لعبد المطلب: انظر نحو البحر ما ترى؟ فقال: أرى طيرا بيضا قد انساب مع شاطئ البحر، فقال: ارمقها ببصرك أين قرارها؟ قال: أراها قد أزرت على رؤوسنا، فقال: هل تعرفها؟ قال: لا والله ما أعرفها، ما هي بنجدية، ولا تهامية، ولا غربية، ولا شرقية، ولا يمانية، ولا شامية، وإنها تطير بأرضنا غير مؤنسة.
قال: ما قدرها؟ قال: أشباه اليعاسيب في مناقيرها الحصى كأنها حصى الخذف قد أقبلت، وهي طير أبابيل يتبع بعضها بعضا، أمام كل رفقة منها طائر يقودها أحمر المنقار، أسود الرأس، طويل العنق، حتى إذا جازت بعسكر القوم ركدن فوق رؤوسهم، فلما توافتها الرعال كلها هالت الطير ما في مناقيرها من الحجارة على من تحتها، يقال: إنه كان مكتوبا على كل حجر اسم صاحبه، ثم إنها عادت راجعة من حيث جاءت، فقال أبو مسعود: لأمر ما هو كائن، فلما أصبحا انحطا من ذروة الجبل إلى الأرض فمشيا ربوة أو ربوتين، فلم يؤنسا أحدا، ثم دنوا فمشيا ربوة، أو ربوتين أيضا، فلم يسمعا همسا، فقالا: عند ذلك بات القوم سامدين فأصبحوا نياما لا يسمع لهم ركزا، وكانا قبل ذلك يسمعان صياحهم، وجلبة في أسواقهم، فلما دنيا من عسكرهم، فإذا هم خامدون يقع الحجر في بيضة الرجل فيخرقها، حتى يقع في دماغه، ويخرق الفيل والدابة، حتى يغيب