تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٣ - الصفحة ٤١٦
يعزيه ليصبر على تكذيبهم، فقال: يا محمد * (كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون) * [الذاريات: 52]، وأنزل في الوليد بن المغيرة: * (ذرني ومن خلقت وحيدا) * يقول: خل بيني يا محمد، وبين من خلقت وحيدا، يقول: حين لم يكن له مال ولا بنون، يعني خل بيني وبينه، فأنا أتفرد بهلاكه، وأما الوليد، يعني خلقته ليس له شئ، يقول عز وجل فأعطيته المال والولد.
فذلك قوله: * (وجعلت له مالا ممدودا) * [آية: 12] يعني بالمال بستانه الذي له بالطائف، والممدود الذي لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا، كقوله: * (وظل ممدو) * يعني لا ينقطع * (وبنين شهودا) * [آية: 13] يعني حضورا لا يغيبون أبدا عنه في تجارة ولا غيرها لكثرة أموالهم بمكة، وكلهم رجال منهم الوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، وهو سيف الله أسلم بعد ذلك، وعمارة بن الوليد، وهشام بن الوليد، والعاص بن الوليد، وقيس بن الوليد، وعبد شمس بن الوليد.
ثم قال: * (ومهدت له تمهيدا) * [آية: 14] يقول:
بسطت له في المال والولد والخير بسطا * (ثم يطمع أن أزيد) * [آية: 15] لا أزيده بل أقطع ذلك عنه وأهلكه، ثم منعه الله المال، فلم يعطه شيئا حتى افتقر وسأل الناس، فأهلكه الله تعالى، ومات فقيرا في المستهزئين، ثم نعت عمله الخبيث، فقال: * (كلا إنه كان لآياتنا عنيدا) * [آية: 16] يعني كان عن آيات القرآن معرضا مجانبا له لا يؤمن بالقرآن.
ثم أخبر الله تعالى ما يصنع به في الآخرة، فقال: * (سأرهقه صعودا) * [آية: 17] يعني سأكلفه أن يصعد على صخرة من النار ملساء في الباب الخامس، واسم ذلك الباب سقر، في تلك الصخرة كوى تخرج منها ريح، وهي ريح حارة، وهي تناثر لحمه يقول الله جل وعز: * (سأرهقه صعودا) * يقول: سأغشى وجهه تلك الصخرة، وهي جبل من نار طوله مسيرة سبعين سنة، ويصعد به فيها على وجهه، فإذا بلغ الكافر أعلاها انحط إلى أسفلها، ثم يكلف أيضا صعودها، ويخرج إليه من كوى تلك الصخرة ريح باردة من فوقها ومن تحتها تقطع تلك الريح لحمه، وجلدة وجهه، فكلما أصعد أصابته تلك الريح وإذا انحط، حتى ينتثر اللحم من العظم، ثم يشرب من عية آنية، التي قد انتهى حرها، فهذا دأبه أبدا.
تفسير سورة المدثر من الآية (18) إلى الآية (30).
(٤١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 411 412 413 414 415 416 417 418 419 420 421 ... » »»