تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٣ - الصفحة ٣٤٨
قال حاطب:
اعف عني عفا الله عنك، فوالذي أنزل عليك الكتاب ما كفرت منذ أسلمت ولا كذبتك منذ صدقتك، ولا أبغضتك منذ أحببتك، ولا واليتهم منذ هاديتهم، وقد علمت أن كتابي لا ينفعهم ولا يضرك فاعذرني، جعلني الله فداك فإنه ليس من أصحابك أحد إلا وله بمكة من يمنع ماله وعشيرته غيري وكنت حليفا وليس من أنفس القوم، وكان حلفائي قد هاجروا كلهم، وكنت كثير المال والضيعة بمكة فخفت المشركين على مالي فكتبت إليهم لأتوسل بها وأتخذها عندهم مودة لأدفع عن مالي، وقد علمت أن الله منزل بهم خزيه ونقمته وليس كتابي يغني عنهم شيئا، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثدق فيما قال، فأنزل الله تعالى عظة للمؤمنين أن يعودوا لمثل صنيع حاطب بن أبي بلتعة، فقال تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء) *.
* (تلقون إليهم بالمودة) * يعني الصحيفة * (وقد كفروا بما جاءكم من الحق) * يعني القرآن * (يخرجون الرسول) * من مكة * (وإياكم) * قد أخرجوا من دياركم يعني من مكة * (إن تؤمنوا) * يعني بأن آمنتم * (بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي) * فلا تلقوا إليهم بالمودة * (تسرون إليهم بالمودة) * يعني بالصحيفة فيها النصيحة * (وأنا أعلم بما أخفيتم) * يعني بما أسررتم في أنفسكم من المودة والولاية * (وما أعلنتم) * لهم من الولاية * (ومن يفعله منكم) * يعني ومن يسر بالمودة إلى الكفار * (فقد ضل سواء السبيل) * [آية: 1] يقول فقد أخطأ قصد طريق الهدى، وفي حاطب نزلت هذه الآية: * (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله) * [المجادلة: 22] إلى آخر الآية.
حدثنا عبد الله، قال: حدثني أبي قال: حدثنا الهذيل عن المسيب، عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، قال:
أقبلت سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف من مكة إلى المدينة المنورة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: مالك، يا سارة؟ أمسلمة جئت؟ قالت: لا، قال: أفمهاجرة جئت؟
قالت: لا، قال: فما حاجتك؟ قالت: كنتم الأصل والمواللا والعشيرة وقد ذهب موالي، وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت عليكم لتكسوني وتنفقوا علي وتحملوني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' فأين أنت من شباب أهل مكة '، وكانت امرأة مغنية ناتحة، فقالت: يا محمد، ما كلب أحد منهم شيئا منذ كانتوقعة بدر، قال فحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب وبني هاشم فكسوها وأعطوها نفقة وحملوها، فلما أرادت الخروج إلى مكة أتاها
(٣٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 343 344 345 346 347 348 349 350 351 352 353 ... » »»