ثم قال * (لأنتم) * معشر المسلمين * (أشد رهبة في صدورهم من الله) * يعني قلوب المنافقين * (ذلك بأنهم قوم لا يفقهون) 6 [آية: 13] فيعتبرون * (لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد) * يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:
* (تحسبهم) * يا محمد * (جميعا) * المنافقين واليهود * (وقلوبهم شتى) * يعني متفرقة مختلفة * (ذلك بأنهم قوم لا يعقلون [آية: 14] عن الله فيوحدونه * (كمثل الذين من قبلهم) * يعني من قبل أهل بدر، كان قبل ذلك بسنتين، فذلك قوله: * (قريبا ذاقوا وبال أمرهم) * يعني جزاء ذنبهم، ذاقوا القتل ببدر * (ولهم عذاب أليم) * [آية: 15].
تفسير سورة الحشر من الآية (16) إلى الآية (17).
ثم ضرب مثلا حين غروا اليهود فتبوؤا منهم عند الشدة وأسلموهم، فقال: * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر) * وذلك أنه كان راهبا في بني إسرائيل اسمه برصيصا، وكان في صومعته أربعين عاما، يعبد الله، ولا يكلم أحدا، ولا يشرف على أحد، وكان لا يكل من ذكر الله عز وجل، وكان الشيطان لا يقدر عليه مع ذكره الله تعالى.
فقال الشيطان لإبليس:
قد غلبني برصيصا، ولست أقدر عليه، فقال إبليس: اذهب، فانصب له ما نصبت لأبيه من قبل، وكانت جارية ثلاثة من بني إسرائيل عظيمة الشرف جميلة من أهل بيت صدق، ولها إخوة فجاء الشيطان إليها، فدخل في جوفها فخنقها حتى ازبدت، فالتمس إخواتها لها الأطباء، وضربوا لها ظهرا وبطنا ويمينا وشمالا، فأتاهم الشيطان في منامهم، فقال: عليكم ببرصيصا الراهب، فليدع لها، فإنه مستجاب الدعاء، فلما أصبحوا، قال بعضهم لبعض: انطلقوا بأختنا إلى برصيصا الراهب، فليدع لها، فإنا نرجو البركة في دعائه، فانطلقوا بها إليه، فقالوا: يا برصيصا أشرف علينا، وكلمنا فإنا بنو فلان، وإنما جئنا لباب حسنة، وأجر، فأشرف فكلمهم وكلموه، فلما رد عليها وجد الشيطان خللا فدخل في جوفه، ووسوس إليه، فقال: يا برصيصا هذا باب حسنة وأجر، تدعو الله لها فيشفيها، فأمرهم أن يدخلوها الحربة وينطلقوا هم، فأدخلوها الحربة ومضوا، وكان برصيصا لا يتهم في بني إسرائيل، فقال له الشيطان: يا برصيصا انزل فضع يدك على بطنها، وناصيتها، وادع لها، فما زال به حتى أنزله من صومعته، فلما نزل خرج منه، فدخل في جوف الجارية فاضطربت، وانكسفت، فلما رأى ذلك، ولم يكن له عهد بالنساء وقه بها.