لا تلد إلا ملوكا أبطالا، فدعاها كسرى، فقال: إني أريد أن أبعث إلى الروم جيشا واستعمل رجلا من بنيك، فأشيرى على أيهم استعمل، فقالت: هذا فلان وسمته وهو أروغ من ثعلب وأجبن من صقر، وهذا الفرخان وهو أنقذ من السنان، وهو شهر بران، وهو أحلم من الأرزان فاستعمل أيهم شئت.
قال إني استعمل الحليم، فبعث شهر بران على الجيش، فسار الروم إلى أرض فارس، فظهر عليهم وخرب مدائنهم، وقطع زيتونهم، فلما ظهرت فارس على الروم جلس الفرخان يشرب، فقال لأصحابه: قد رأيت في المنام أني جالس على سرير كسر، فعمد الملاقون المبلغون بالأحاديث، فكتبوا إلى كسرى أن عبدك الفرخان يتمنى في المنام أن يقعد على سريرك، فكتب كسرى إلى شهربران إذا جاءك كتابي هذا فابعث برأس أخيك الفرخان، فكتب إليه شهربران أيها الملك إن الفرخان له صولة ونكاية في العدو، فلا تفعل، فكتب إليه كسرى إن في رجال فارس منه خلفا وبدلا، فعجل على برأسه فراجعه.
فقال: أيها الملك، إنك لن تجد من الفرخان بدلا صولة ونكاية، فغضب كسرى فلم يجبه وبعث بريدا إلى أهل فارس الذين بالروم: إني قد نزعت عنكم شهربران واستعملت عليكم الفرخان، ودفع إلى صاحب البريد صحيفة صغيرة، فقال: إذا ولي الفرخان وانقاد له أخوه، فادفع إليه الصحيفة، فلما قرأ شهربران الكتاب قال: سمعا وطاعة ووضع تاجه على رأس أخيه، ونزل عن سريره، وجلس عليه الفرخان، ودفع الرسول الصحيفة إليه، فقال: ائتوني بشهربران، فأتى به ليضرب عنقه، فقال شهربران: لا تعجل حتى أكتب وصيتي، قال: فكتبها، فدعا بسقط فيه ثلاث صحائف.
وقال: ويحك أنت ابن أمي وأبي، وهذه ثلاث صحائف جاءتني في قتلك، فراجعت فيك كسرى ثلاث مرات، فقال الفرخان: أمنا والله كانت أعرف بنا، أنت أحلم من الأزرق حين راجعت في ثلاث مرات، وأنا أنفذ من السنان حين أردت قتلك بكتاب واحد، ثم رد الملك إلى أخيه، وكان أكبر منه، فكتب شهربران إلى قيصر إن لي إليك حاجة لا تحملها البرد، ولا تبلغها الصحف، فالقنى ولا تلقني إلا في خمسين روميا، فإني ألقاك في خمسين فارسيا، فأقبل قيصر في خمسمائة ألف رومي، فجعل يبثهم في الطرق، وبعث بين يديه العيون مخافة أن يكون مكرا منه حتى أتته عيونه أن ليس معه إلا خمسين رجلا، ثم بسطت لهم بسط، فمشيا عليها ونزلا عن برذونيهما إلى قبة من ديباج ضربت