تفسير مقاتل بن سليمان - مقاتل بن سليمان - ج ٢ - الصفحة ٢٦٧
أن يصدوك، * (عن الذي أوحينا إليك) *، كقوله سبحانه في المائدة: * (واحذرهم أن يفتنوك) *، يعنى يصدوك، * (عن بعض ما أنزل الله إليك) * [المائدة: 49]، وذلك أن ثقيفا أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: نحن إخوانك، وأصهارك، وجيرانك، ونحن خير أهل نجد لك سلما، وأضره عليك حربا، فإن نسلم تسلم نجد كلها، وإن نحاربك يحاربك من وراءنا، فأعطنا الذي نريد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ' وما تريدون؟ '، قالوا نسلم على ألا تجش، ولا نعش، ولا نحني، يقولون: على ألا نصلي، ولا نكسر أصناما بأيدينا، وكل ربا لنا على الناس فهو لنا، وكل ربا للناس فهو عنا موضوع، ومن وجدناه في وادي وج يقطع شجرها انتزعنا عنه ثيابه، وضربنا ظهره وبطنه، وحرمته كحرمة مكة، وصيده وطيره وشجره، وتستعمل على بني مالك رجلا، وعلى الأحلاف رجلا، وأن تمتعنا باللات والعزى سنة ولا نكسرها بأيدينا من غير أن نعبدها؛ ليعرف الناس كرامتنا عليك وفضلنا عليهم.
فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ' أما قولكم: لا تجشي، ولا نعشي، والربا، فلكم، وأما قولكم: لا نحني، فإنه لا خير في دين ليس فيه ركوع ولا سجود '، قالوا: نفعل ذلك، وإن كان علينا فيه دناءة، ' وأما قولكم: لا نكسر أصنامنا بأيدينا، فإنا سنأمر من يكسرها غيركم '، ثم سكت النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: تمتعنا باللات سنة، فأعرض عنهم، وجعل يكره أن يقول: لا، فيأبون الإسلام، فقالت ثقيف للنبي [صلى الله عليه وسلم]: إن كان بك ملامة العرب في كسر أصنامهم وترك أصنامنا، فقل لهم: إن ربي أمرني أن أقر اللات بأرضهم سنة.
فقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، عند ذلك: أحرقتم قلب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر اللات، أحرق الله أكبادكم، لا، ولا ونعمة، غير أن الله عز وجل لا يدع الشرك في أرض يعبد الله تعالى فيها، فإما أن تسلموا كما يسلم الناس، وإما أن تلحقوا بأرضكم، فأنزل الله عز وجل: * (وإن كادوا ليفتنونك) *، يقول: وإن كادوا ليصدونك، * (عن الذي أوحينا إليك) * * (لتفتري علينا غيره) *، يقول سبحانه: لتقول علينا غيره ما لم نقل؛ لقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: قل إن الله أمرني أن أقرها، * (وإذا لاتخذوك خليلا) * [آية:
73]، يعنى محبا، نظيرها في الفرقان: * (فلانا خليلا) * [الفرقان: 28]، يعنى محبا، لطواعيتكم إياهم على ما أرادوك عليه إذا لأحبوك.
* (ولولا أن ثبتناك) * يا محمد بالسكوت، فأمرت بكسر الآلهة، إذا لركنت إلى المعصية، * (لقد كدت تركن) *، تقول: لقد هممت سويعة أن تميل، * (إليهم شيئا
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»