إلى بطن نخلة، على اسم الله وبركته، ولا تكرهن أحد من أصحابك على السير، وامض لأمري ومن اتبعك منهم، فترصد بها عير قريش، فلما قرأ الكتاب استرجع عبد الله، واتبع استرجاعه بسمع وطاعة الله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عبد الله لأصحابه: من أحب منكم أن يسير معي فليسر، ومن أحب أن يرجع فليرجع، وهم ثمانية رهط من المهاجرين: عبد الله بن جحش الأسدي، وسعد بن أبي وقاص الزهري، وعتبة بن غزوان المزني حليف لقريش، وأبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس، وسهل بن بيضاء القرشي، ويقال: سهل من بني الحارث بن فهد، وعامر بن ربيعة القرشي من بني عدي بن كعب، وواقد بن عبد الله التميمي، فرجع من القوم سعد ابن أبي وقاص، وعتبة بن غزوان، وسار عبد الله ومعه خمسة نفر وهو سادسهم، فلما قدموا لبطن نخلة بين مكة والطائف، حملوا على أهل العير، فقتلوا عمر بن الحضرمي القرشي، قتله واقد بن عبد الله التميمي، رماه بسهم، فكان أول قتيل في الإسلام من المشركين، وأسروا عثمان بن عبد الله بن المغيرة، والحكم بن كيسان مولى هشام بن المغيرة المخزومي، فغديا بعد ذلك في المدينة، وأفلتهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة المخزومي على فرس له جواد أنثى، فقدم مكة من الغد، وأخبر الخبر مشركي مكة، وكرهوا الطلب؛ لأنه أول يوم من رجب، وسار المسلمون بالأسارى والغنيمة حتى قدموا المدينة، فقالوا: يا نبي الله، أصبناالقوم نهارا، فلما أمسينا رأينا هلال رجب، فما ندري أصبناهم في رجب أو في آخر يوم من جمادى الآخرة.
وأقبل مشركو مكة على مسلميهم، فقالوا: يا معشر الصباة، ألا ترون أن إخوانكم استحلوا القتال في الشهر الحرام، وأخذوا أسارانا وأموالنا، وأنتم تزعمون أنكم على دين الله، أفوجدتم هذا في دين الله حيث أمن الخائف، وربطت الخيل، ووضعت الأسنة، وبدأ الناس لمعاشهم، فقال المسلمون: الله ورسوله اعلم، وكتب مسلمو مكة إلى عبد الله بن جحش أن المشركين عابونا في القتال، وأخذ الأسرى والأموال في الشهر الحرام، فاسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألنا في ذلك متكلم، أو أنزل الله بذلك قرآنا، فدفع عبد الله بن جحش الأسدي الكتاب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله عز وجل: * (يسئلونك عن الشهر الحرام) * * (قتال فيه قل قتال فيه كبير) *، ولم يرخص فيه القتال.
ثم قال: * (وصد عن سبيل الله)، يعني دين الإسلام، * (وكفر به) * أي وكفر