الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٤١٩
التأمل والهدوء ويدعو إلى محاذرة التعجل والتسرع.
الآية تقول أولا: وجعلنا الليل والنهار آيتين ثم: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة. ولنا في ذلك هدفان: الأول: لتبتغوا فضلا من ربكم حيث تنطلقون نهارا في الكسب والعمل والمعاش مستثمرين العطايا الإلهية، وتنعمون ليلا بالراحة والهدوء والاستقرار. والهدف الثاني فهو:
ولتعلموا عدد السنين والحساب لكي لا تبقى شبهة لأحد وكل شئ فصلناه تفصيلا.
بين المفسرين كلام كثير حول المقصود من " آية الليل " و " آية النهار " وفيما إذا كان ذلك كناية عن نفس الليل والنهار، أم أن المقصود من " آية الليل " القمر، ومن " آية النهار " الشمس (1).
ولكن التدقيق في الآية يكشف عن رجاحة التفسير الأول، خصوصا وأن المقصود من قوله تعالى: وجعلنا الليل والنهار آيتين هو أن كل واحد منهما علامة على إثبات وجود الله، أما محو آية الليل فهو تمزيق ظلمة الليل وحجب الظلمة فيه بواسطة نور النهار، الذي يكشف ما كان مستورا بظلمة الليل.
وإذا كانت آيات أخرى في القرآن [آية (5) من سورة يونس] تفيد أن الغاية من خلق الشمس والقمر هو تنظيم الحساب إلى سنين وأشهر، فليس ثمة تنافي بين الآيتين، إذ من الممكن أن تنتظم حياة الإنسان وحسابه على أساس الليل والنهار، وعلى أساس الشمس والقمر من دون أي تناف بين الاثنين.
في نهج البلاغة نقرأ للإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، قوله: " وجعل شمسها آية مبصره لنهارها، وقمرها آية ممحوه من ليلها، وأجراهما في مناقل مجراهما، وقدر سيرهما في مدارج درجهما، ليميز بين الليل والنهار بهما، وليعلم

1 - في الحالة الأولى تكون الإضافة " إضافية بيانية " أما في الثالثة فتكون الإضافة " إضافة اختصاصية ".
(٤١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 414 415 416 417 418 419 420 421 422 423 425 ... » »»