الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٨٦
الأئمة عليهم السلام فوجودهم إذن من أوضح وأفضل النعم الإلهية (وقد ذكر هنا لأنه أحد المصاديق الجلية لنعم الله سبحانه).
3 2 - صراع الحق مع الباطل لقد توقف بعض المفسرين عند كلمة " ثم " من قوله تعالى: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها، لأن استعمالها عادة كأداة عطف مع وجود فاصلة بين أمرين، ولذلك فثمة فاصلة بين معرفتهم لنعم الله وبين إنكارهم للنعم، فقالوا: إن الهدف من هذا التعبير تبيان ما ينبغي عليهم من الاعتراف بالتوحيد بعد معرفتهم بنعمة الله، وكان عليهم أن يذعنوا لذلك الاعتراف، إلا أنهم ساروا في طريق الباطل!
فاستبعد القرآن عملهم وعبر عن ذلك بكلمة " ثم ".
ونحتمل أن " ثم " هنا إشارة إلى معنى خفي، خلاصته: أن دعوة الحق عندما تتوغل إلى دواخل الروح الإنسانية عن طريق أصولها المنطقية السليمة، فإنها ستصطدم مع عوامل السلب والإنكار الموجود فيه أحيانا، فيستغرق ذلك الجدال أو الصراع الداخلي مدة تتناسب مع حجم قوة وضعف تلك العوامل، فإن كانت عوامل النهي والإنكار أقوى فإنها ستغلبها بعد مدة.. وعبر القرآن عن تلك الحالة بكلمة " ثم ".
والآيتان (64 و 65)، من سورة الأنبياء ضمن عرضهما لقصة إبراهيم (عليه السلام) تتحدثان عن قوة احتجاج نبي الله إبراهيم (عليه السلام) بعد أن حطم أصنامهم جميعها إلا كبيرها مما تركهم في الوهلة الأولى يغوصون في تفكير عميق، مما حدا بهم لأن يلوموا أنفسهم وكادوا أن يهتدوا إلى الحق لولا وجود تلك الرواسب من العوامل السلبية في نفوسهم (التعصب، الكبر، العناد) التي أمالت كفة انحرافهم على قبول دعوة الحق، فعادوا من جديد إلى ما كانوا عليه، ولوصف تلك الحالة نرى القرآن قد استعمل كلمة " ثم " أيضا: فرجعوا إلى أنفسهم فقالوا إنكم أنتم الظالمون ثم نكسوا على رؤوسهم لقد علمت ما هؤلاء ينطقون.
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»