الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٧٤
لم تكن في الإنسان بصورة فعلية حين ولادته، وإنما على شكل استعداد ووجود بالقوة.
وبعبارة أخرى: إننا عند الولادة نكون في غفلة عن كل شئ حتى عن أنفسنا التي بين جنبينا، إلا أن مسألة إدراك الحقائق تكمن فينا بصورة القوة لا الفعل، وبالتدريج تحصل لأعيننا قوة النظر ولآذاننا قوة السمع ولعقولنا القدرة على الإدراك والتجزئة والتحليل، فننعم بهذه العطايا الإلهية الثلاث التي بواسطتها نستطيع أن ندرك كثيرا من التصورات ونودعها في العقل لكي ننشئ منها مفاهيم كلية، ومن ثم نصل إلى الحقائق العقلية بطريق (التعميم) و (التجريد).
وتصل قدرتنا الفكرية إلى إدراك أنفسنا (باعتبارها علما حضوريا) ومن ثم تتحرر العلوم التي أودعت فينا قوة لتصبح علوما بالفعل، ونجعل بعد ذلك من العلوم البديهية والضرورية سلما للوصول إلى العلوم النظرية وغير البديهية.
وعلى هذا.. فالعموم والكلية التي نطقت بها الآية (من أننا لا نعلم شيئا عند الولادة) ليس لها استثناء ولا تخصيص.
3 2 - نعمة وسائل المعرفة مما لا شك فيه عدم امكانية استيعاب ودخول العالم الخارجي في وجودنا، والحاصل الفعلي هو رسم صورة الشئ الخارجي المراد في الذهن وبواسطة الوسائل المعينة لذلك، وعليه.. فمعرفتنا بالعالم الخارجي تكون عن طريق أجهزة خاصة منها السمع والبصر.
وتنقل هذه الآلات والأجهزة كل ما تلتقطه من الخارج لتودعه في أذهاننا وعقولنا، ونقوم بواسطة العقل والفكر بعملية التجزئة والتحليل..
ولذلك بينت الآية مسألة عدم علم الإنسان المطلق حين الولادة: وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لكي تحصلوا على حقائق الوجود وتدركوها.
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»