الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٦٧
وعاجز لا يقدر على شئ.
وكل على مولاه.
وأينما يوجهه لا يأت بخير.
مع أن الصفات المذكورة علة ومعلول لبعضها الآخر ولكنها ترسم صورة إنسان سلبي مائة في المائة حيث أن وجوده لا ينم عن أي خير أو بركة إضافة لكونه " كل " على أهله ومجتمعه.
ف‍ هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم؟!
وأما الرجل الآخر في مثل الآية فهو صاحب دعوة مستمرة إلى العدل وسائر على الصراط المستقيم، وما هاتان الصفتان إلا مفتاح لصفات أخرى متضمنة لها، فصاحب هاتين الصفتين: لسانه ناطق، منطقه محكم، إرادته قوية، شجاع وشهم، لأنه لا يمكن أن يتصور لداعية العدل أن يكون: أبكم، جبانا وضعيفا! ولا يمكن أن يكون من هو على صراط مستقيم إنسانا عاجزا أبله وضعيف العقل، بل ينبغي أن يكون ذكيا، نبيها، حكيما وثابتا.
وتظهر المقايسة بين هذين الرجلين ذلك البون الشاسع بين الاتجاهين الفكريين المختلفين لعبدة الأصنام من جهة، وعباد الله عز وجل من جهة أخرى، وما بينهم من تفاوت تربوي وعقائدي.
كما رأينا من ربط القرآن في بحوثه المتعلقة بالتوحيد ومحاربة الشرك مع بحث المعاد ومحكمة القيامة الكبرى، نراه هنا يتناول الإجابة على إشكالات المشركين فيما يخص المعاد، فيقول لهم: لله غيب السماوات والأرض.
وكأن الآية جواب على الإشكال العالق في أذهان وألسنة منكري المعاد الجسماني بقولهم: إننا إذا متنا وتبعثرت ذرات أجسامنا بين التراب، فمن يقدر على جمعها؟! وإذا ما افترضنا أن هذه الذرات قد جمعت وعدنا إلى الحياة، فمن سيعلم بأعمالنا التي طوتها يد النسيان فنحاسب عليها؟!
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»