الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ٢٥٩
وحتى أن الأمر قد وجه إلى المسلمين بالتبكير في الخروج لطلب الرزق (1) وذكر أن من جملة من لا يستجاب لهم الدعاء أولئك الذين تركوا طلب الرزق على ما لهم من استطاعة، انزووا في زوايا بيوتهم يدعون الله أن يرزقهم!
وهنا يتبادر إلى الذهن تساؤل عن الآيات القرآنية والروايات التي تؤكد على أن الرزق بيد الله، وذم السعي فيه، فكيف يتم تفسير ذلك؟!
وللاجابة نذكر الملاحظتين التاليتين:
1 - دقة النظر والتحقق في المصادر الإسلامية يوضح أن الآيات أو الروايات التي يبدو التضاد في ظاهر ألفاظها - سواء في هذا الموضوع أو غيره - إنما ينتج من النظرة البسيطة السطحية، لأن حقيقة تناولها لموضوع ما إنما يشمل جوانب متعددة من الموضوع، فكل آية أو رواية إنما تنظر إلى بعد معين من أبعاد الموضوع، فتوهم غير المتابع بوجود التضاد.
فحيث يسعى الناس بولع وحرص نحو الدنيا وزخرف الحياة المادية، ويقومون بارتكاب كل منكر للوصول إلى ما يريدونه، تأتي الآيات والروايات لتوضح لهم تفاهة الدنيا وعدم أهمية المال.
وإذا ما ترك الناس السعي في طلب الرزق بحجة الزهد، تأتيهم الآيات والروايات لتبين لهم أهمية السعي وضرورته.
فالقائد الناجح والمرشد الرشيد هو الذي يتمكن من منع انتشار حالتي الإفراط والتفريط في مجتمعه.
فغاية الآيات والروايات التي تؤكد على أن الرزق بيد الله هي غلق أبواب الحرص والشره وحب الدنيا والسعي بلا ضوابط شرعية، وليس هدفها إطفاء شعلة

1 - الوسائل، ج 12، ص 50.
(٢٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 ... » »»