الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٩٢
وثمة آيات قرآنية كثيرة كررت مسألة أن الله عز وجل سيحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (1).
ثم يشير القرآن إلى الفقرة الثانية من بيان حقيقة المعاد، للرد على من يرى عدم امكان إعادة الإنسان من جديد إلى الحياة من بعد موته: إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون.
فمع هذه القدرة التامة.. هل ثمة شك أو ترديد في قدرته عز وجل على إحياء الموتى؟!
ولعل لا حاجة لتبيان أن " كن " إنما ذكرت لضرورة اللفظ، وإلا لا حاجة في أمر الله ل‍ " كن " أيضا، فإرادته سبحانه وتعالى كافية في تحقيق ما يريد.
ولو أردنا أن نضرب مثلا صغيرا ناقصا من حياتنا (و لله المثل الأعلى)، فنستطيع أن نشبهه بانطباع صورة الشئ في أذهاننا لمجرد إرادته، فإننا لا نعاني من أية مشكلة في تصور جبل شامخ أو بحر متلاطم أو روضة غناء، ولا نحتاج في ذلك لجملة أو كلمة نطلقها حتى نتخيل ما نريد، فبمجرد إرادة التصور تظهر الصورة في ذهننا.
ونقرأ سوية الحديث المروي عن الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).. إن صفوان بن يحيى سأله: أخبرني عن الإرادة من الله تعالى ومن الخلق، فقال: " الإرادة من المخلوق الضمير وما يبدو له بعد ذلك من الفعل، وأما من الله عز وجل فإرادته إحداثه لا غير ذلك، لأنه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر، وهذه الصفات منفية عنه وهي من صفات الخلق، فإرادة الله تعالى هي الفعل لا غير ذلك، يقول له: كن فيكون، بلا لفظ ولا نطق بلسان ولا همة ولا تفكر ولا كيف كذلك كما أنه بلا كيف " (2).
* * *

1 - راجع الآيات: (55) آل عمران، (48) المائدة، (164) الأنعام، (92) النحل و (69) الحج.
2 - عيون الأخبار، ج 1، ص 119.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»