بديهي، أن الآية لا تشمل كل المنحرفين، لأن الشمول يتعارض مع وظيفة النبي (هداية وتبليغ)، وللتاريخ شواهد كثيرة على ما لهداية الناس وإرشادهم من أثر بالغ، وكم أولئك الذين انتشلوا من وحل الضلال ليصبحوا من خلص أنصار الحق، بل ودعاته.
فعليه.. تكون الجملة المتقدمة خاصة بمجموعة معينة من الضالين الذين وصل بهم العناد واللجاجة في الباطل لأقصى درجات الضلال، وأصبحوا غرقى في بحر الاستكبار والغرور والغفلة والمعصية فأغلقت أمامهم أبواب الهداية، فهؤلاء لا ينفع معهم محاولات النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لهديهم حتى وإن طالت المدة لأنهم قد انحرفوا عن الحق بسبب أعمالهم إلى درجة أنهم باتوا غير قابلين للهداية.
ومن الطبيعي أن لا يكون لهكذا أناس من ناصرين وأعوان، لأن الناصر لا يتمكن من تقديم نصرته وعونه إلا في أرضية مناسبة ومساعدة.
وهذا التعبير أيضا دليل على نفي الجبر، لأن الناصر إنما ينفع سعيه فيما لو كان هناك تحرك من داخل الإنسان نحو الصلاح والهداية فيعينه ويأخذ بيده - فتأمل.
ولعل استعمال " ناصرين " بصيغة الجمع للإشارة إلى أن المؤمنين على العكس من الضالين، لهم أكثر من ناصر، فالله تعالى ناصرهم و... الأنبياء، وعباد الله الصالحين، وملائكة الرحمة كذلك.
ويشير القرآن الكريم إلى هذه النصرة في الآية (51) من سورة المؤمن: إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.
وكذلك في الآية (30) من سورة فصلت: إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وابشروا بالجنة التي كنتم توعدون.
* * *