الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - الشيخ ناصر مكارم الشيرازي - ج ٨ - الصفحة ١٥٤
سفر البر أو البحر، فقد جعل الله تعالى علامات في السماء تعوض عن علامات الأرض في تلك الحال: وبالنجم هم يهتدون.
بطبيعة الحال فهذه إحدى الفوائد الجمة للنجوم، ولو لم يكن لها سوى هذه الفائدة لكان كافيا لوجودها، خصوصا في زمن لا أسطرلاب فيه ولا مؤشرات قطبية تعين السفن في تحديد مسيرها وفق خرائط أعدت لذلك الغرض، وقديما كانت الرحلات تتوقف إذا ما غطيت السماء بالسحب وتلبدت بالغيوم، ومن يجرؤ على تكملة السفر فسيواجه خطر الموت.
وكما هو معلوم اليوم، فإن النجوم التي تبدو لنا متحركة في السماء عبارة عن خمسة كواكب، ويطلق عليها اسم السيارات، والسيارات أكثر من خمسة، إلا أن البقية لا يمكن تشخيصها بالعين المجردة بسهولة، أما بقية النجوم فإنها تحتفظ بمكانها النسبي، وكأنها لآلئ خيطت على قطعة قماش أسود، وهذه القطعة كأنها تسحب من إحدى جهاتها فتتحرك بكاملها.
وبعبارة أخرى: إن حركة النجوم الثوابت جمعية، وحركة السيارات انفرادية، حيث تتغير المسافات بينها وبين الثوابت باستمرار.
إضافة لذلك، فالنجوم الثوابت تشكل فيما بينها أشكالا معينة تعرف ب‍ (الصور الفلكية) ولها الأثر الكبير في معرفة الاتجاهات الأربعة (الشمال، الجنوب، الشرق، والغرب).
وبعد أن بين القرآن كل هذه النعم الجليلة والألطاف الإلهية الخفية، راح يدعو الوجدان الإنساني للحكم في ذلك أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون؟!
وكما اعتدنا عليه من القرآن في أسلوبه التربوي الهادف المؤثر، فقد طرح مسألة المحاججة بصيغة سؤال يترك الجواب عنه في عهدة الوجدان الحي للإنسان، مستعينا بتحريك الإحساس الباطني ليجيب من أعماق روحه، ولينشد
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»