القيامة وعقوبات المجرمين من أهل النار من آلائه ونعمه تعالى، فإن سوق المسيئين وأهل الشقوة في نظام الكون إلى ما تقتضيه شقوتهم ومجازاتهم بتبعات أعمالهم من لوازم صلاح النظام العام الجاري في الكل الحاكم على الجميع فذلك نعمة بالقياس إلى الكل وإن كان نقمة بالنسبة إلى طائفة خاصة منهم وهم المجرمون وهذا نظير ما نجده في السنن والقوانين الجارية في المجتمعات فإن التشديد على أهل البغي والفساد مما يتوقف عليه حياة المجتمع وبقاؤه وليس يتنعم به أهل الصلاح خاصة كما أن إثابة أهل الصلاح بالثناء الجميل والاجر الحسن كذلك.
فما في النار من عذاب وعقاب لأهلها وما في الجنة من كرامة وثواب آلاء ونعم على معشر الجن والإنس كما أن الشمس والقمر والسماء المرفوعة والأرض الموضوعة والنجم والشجر وغيرها آلاء ونعم على أهل الدنيا.
ويظهر من الآية أن للجن تنعما في الجملة بهذه النعم المعدودة في خلال الآيات كما للانس وإلا لم يصح إشراكهم مع الانس في التوبيخ.
قوله تعالى: " خلق الانسان من صلصال كالفخار " الصلصال الطين اليابس الذي يتردد منه الصوت إذا وطئ، والفخار الخزف.
والمراد بالانسان نوعه والمراد بخلقه من صلصال كالفخار انتهاء خلقه إليه، وقيل:
المراد بالانسان آدم عليه السلام.
قوله تعالى: " وخلق الجان من مارج من نار " المارج هو اللهب الخالص من النار، وقيل: اللهب المختلط بسواد، والكلام في الجان كالكلام في الانسان فالمراد به نوع الجن، وعدهم مخلوقين من النار باعتبار انتهاء خلقتهم إليها، وقيل: المراد بالجان أبو الجن.
قوله تعالى: " رب المشرقين ورب المغربين " المراد بالمشرقين مشرق الصيف ومشرق الشتاء، وبذلك تحصل الفصول الأربعة و تنتظم الأرزاق، وقيل: المراد بالمشرقين مشرق الشمس والقمر وبالمغربين مغرباهما.
قوله تعالى: " مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان " المرج الخلط والمرج الارسال، يقال: مرجه أي خلطه ومرجه أي أرسله والمعنى الأول أظهر، والظاهر أن المراد بالبحرين العذب الفرات والملح الأجاج، قال تعالى: " وما يستوى البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية