الله يدخلهم النار وذلك مصادرة بينة.
وذلك لان بين فعلنا وبين فعله تعالى فرقا فإنا نتبع في أفعالنا القوانين والأصول الكلية المأخوذة من الكون الخارجي والوجود العيني، وهي الحاكمة علينا في إرادتنا وأفعالنا، فإذا أكلنا لجوع أو شربنا لعطش فإنما نريد بذلك الشبع والري لما حصلنا من الكون الخارجي أن الاكل يفيد الشبع والشرب يفيد الري وهو الجواب لو سئلنا عن الفعل.
وبالجملة أفعالنا تابعة للقواعد الكلية والضوابط العامة المنتزعة عن الوجود العيني المتفرعة عليه، وأما فعله تعالى فهو نفس الوجود العيني، والأصول العقلية الكلية مأخوذة منه متأخرة عنه محكومة له فلا تكون حاكمة فيه متقدمة عليه، قال تعالى: " لا يسأل عما يفعل وهم يسألون " الأنبياء: 23، وقال: " إن الله يفعل ما يشاء " الحج: 18، وقال:
" الحق من ربك " آل عمران: 60.
فلا سؤال عن فعله تعالى بلم بمعنى السؤال عن السبب الخارجي إذ لا سبب دونه يعينه في فعله، ولا بمعنى السؤال عن الأصل الكلي العقلي الذي يصحح فعله إذ الأصول العقلية منتزعة عن فعله متأخرة عنه.
نعم وقع في كلامه سبحانه تعليل الفعل بأحد ثلاثة أوجه:
أحدها: تعليل الفعل بما يترتب عليه من الغايات والفوائد العائدة إلى الخلق لا إليه، لكنه تعليل للفعل لا لكونه فعلا له سبحانه بل لكونه أمرا واقعا في صف الأسباب والمسببات كما في قوله تعالى: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لا يستكبرون " المائدة: 82، وقال: " وضربت عليهم الذلة والمسكنة - إلى أن قال - ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون " البقرة: 61.
الثاني: تعليل فعله تعالى بشئ من أسمائه وصفاته المناسبة له كتعليله تعالى مضامين كثير من الآيات في كلامه بمثل قوله: " إن الله غفور رحيم " " وهو العزيز الحكيم " " وهو اللطيف الخبير " إلى غير ذلك وهو شائع في القرآن الكريم، وإذا أجدت التأمل في موارده وجدتها من تعليل الفعل بما له من صفة خاصة بصفة عامة لفعله تعالى فإن أسماءه تعالى الفعلية منتزعة عن فعله العام فتعليل فعل خاص بصفة من صفاته واسم من أسمائه تعليل الوجه الخاص في الفعل بالوجه العام فيه كقوله تعالى: " وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم " العنكبوت: 60، يعلل قضاء حاجة الدواب