منكم من أحد عنه حاجزين _ 47. وإنه لتذكرة للمتقين _ 48.
وإنا لنعلم أن منكم مكذبين _ 49. وإنه لحسرة على الكافرين _ 50.
وإنه لحق اليقين _ 51. فسبح باسم ربك العظيم _ 52.
(بيان) هذا هو الفصل الثالث من آيات السورة يؤكد ما تقدم من أمر الحاقة بلسان تصديق القرآن الكريم ليثبت بذلك حقية ما أنبأ به من أمر القيامة.
قوله تعالى: " فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون " ظاهر الآية أنه إقسام بما هو مشهود لهم وما لا يشاهدون أي الغيب والشهادة فهو إقسام بمجموع الخليقة ولا يشمل ذاته المتعالية فإن من البعيد من أدب القرآن أن يجمع الخالق والخلق في صف واحد ويعظمه تعالى وما صنع تعظيما مشتركا في عرض واحد.
وفي الأقسام نوع تعظيم وتجليل للمقسم به وخلقه تعالى بما أنه خلقه جليل جميل لأنه تعالى جميل لا يصدر منه إلا الجميل وقد استحسن تعالى فعل نفسه وأثنى على نفسه بخلقه في قوله: " الذي أحسن كل شئ خلقه " ألم السجدة: 7، وقوله: " فتبارك الله أخسن الخالقين " المؤمنون: 14. فليس للموجودات منه تعالى إلا الحسن وما دون ذلك من مساءة فمن أنفسها وبقياس بعضها إلى بعض.
وفي اختيار ما يبصرون وما لا يبصرون للأقسام به على حقية القرآن ما لا يخفى من المناسبة فإن النظام الواحد المتشابك أجزاؤه الجاري في مجموع العالم يقضي بتوحده تعالى ومصير الكل إليه وما يترتب عليه من بعث الرسل وإنزال الكتب والقرآن خير كتاب سماوي يهدي إلى الحق في جميع ذلك وإلى طريق مستقيم.
ومما تقدم يظهر عدم استقامة ما قيل: إن المراد بما تبصرون وما لا تبصرون الخلق والخالق فإن السياق لا يساعد عليه، وكذا ما قيل: إن المراد النعم الظاهرة والباطنة، وما قيل: إن المراد الجن والإنس والملائكة أو الأجسام والأرواح أو الدنيا والآخرة أو ما يشاهد من آثار القدرة وما لا يشاهد من أسرارها فاللفظ أعم مدلولا من جميع ذلك.