بأيدي صناديد قريش ومشركي مكة المعادين لهم المعاندين للحق بخلاف حال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعد الهجرة فإنه صلى الله عليه وآله وسلم هاجر إليها وقد كسب أنصارا من الأوس والخزرج واستوثق من أقوياء رجالهم أن يدفعوا عنه كما يدفعون عن أنفسهم وأهليهم، وقد دخل الاسلام في بيوت عامتهم فكان مستظهرا بهم على العدة القليلة الذين لم يؤمنوا به وبقوا على شركهم ولم يكن يسعهم أن يعلنوا مخالفتهم ويظهروا شركهم فتوقوا الشر بإظهار الاسلام فآمنوا به ظاهرا وهم على كفرهم باطنا فدسوا الدسائس ومكروا ما مكروا.
غير تام، فما القدرة والقوة المخالفة المهيبة ورجاء الخير بالفعل والاستدرار المعجل علة منحصرة للنفاق حتى يحكم بانتفاء النفاق لانتفائها فكثيرا ما نجد في المجتمعات رجالا يتبعون كل داع ويتجمعون إلى كل ناعق ولا يعبؤن بمخالفة القوى المخالفة القاهرة الطاحنة، ويعيشون على خطر مصرين على ذلك رجاء أن يوفقوا يوما لاجراء مرامهم ويتحكموا على الناس باستقلالهم بإدارة رحى المجتمع والعلو في الأرض وقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يذكر في دعوته لقومه أن لو آمنوا به واتبعوه كانوا ملوك الأرض.
فمن الجائز عقلا أن يكون بعض من آمن به يتبعه في ظاهر دينه طمعا في البلوغ بذلك إلى أمنيته وهي التقدم والرئاسة والاستعلاء، والأثر المترتب على هذا النوع من النفاق ليس هو تقليب الأمور وتربص الدوائر على الاسلام والمسلمين وإفساد المجتمع الديني بل تقويته بما أمكن وتفديته بالمال والجاه لينتظم بذلك الأمور ويتهيأ لاستفادته منه واستدراره لنفع شخصه. نعم يمكر مثل هذا المنافق بالمخالفة والمضادة فيما إذا لاح من الدين مثلا ما يخالف أمنية تقدمه وتسلطه إرجاعا للامر إلى سبيل ينتهي إلى غرضه الفاسد.
وأيضا من الممكن أن يكون بعض المسلمين يرتاب في دينه فيرتد ويكتم ارتداده كما مرت الإشارة إليه في قوله تعالى: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا " الآية، وكما يظهر من لحن مثل قوله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم " المائدة: 54.
وأيضا الذين آمنوا من مشركي مكة يوم الفتح لا يؤمن أكثرهم أن لا يؤمنوا إيمان صدق وإخلاص ومن البديهي عند من تدبر في حوادث سني الدعوة أن كفار مكة وما والاها وخاصة صناديد قريش ما كانوا ليؤمنوا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا سواد جنود غشيتهم وبريق