قوله تعالى (ولا يحسبن) يقرأ بالياء على الغيبة، و (الذين يبخلون) الفاعل، وفى المفعول الأول وجهان: أحدهما (هو) وهو ضمير البخل الذي دل عليه يبخلون. والثاني هو محذوف تقديره البخل، وهو على هذا فصل، ويقرأ " تحسبن " بالتاء على الخطاب، والتقدير: ولا تحسبن يا محمد بخل الذين يبخلون، فحذف المضاف وهو ضعيف لأن فيه إضمار البخل قبل ذكر ما يدل عليه، وهو على هذا فصل أو توكيد، والأصل في (ميراث) موراث فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها والميراث مصدر كالميعاد.
قوله تعالى (لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير) العامل في موضع إن وما عملت فيه، قالوا وهي المحكية به، ويجوز أن يكون معمولا لقول المضاف لأنه مصدر، وهذا يخرج على قول الكوفيين في إعمال الأول وهو أصل ضعيف، ويزداد هنا ضعفا لأن الثاني فعل والأول مصدر، وإعمال الفعل أقوى (سنكتب ما قالوا) يقرأ بالنون، وما قالوا منصوب به (وقتلهم) معطوف عليه، وما مصدرية أو بمعنى الذي، ويقرأ بالياء وتسمية الفاعل، ويقرأ بالياء على ما لم يسم فاعله، وقتلهم بالرفع وهو ظاهر (ونقول) بالنون والياء.
قوله تعالى (ذلك) مبتدأ (بما) خبره، والتقدير: مستحق بما قدمت و (ظلام) فعال من الظلم.
فإن قيل: بناء فعال للتكثير، ولا يلزم من نفى الظلم الكثير نفى الظلم القليل، فلو قال بظالم لكان أدل على نفى الظلم قليله وكثيره.
فالجواب عنه من ثلاثة أوجه: أحدها أن فعالا قد جاء لا يراد به الكثرة كقول طرفة:
ولست بحلال التلاع مخافة * ولكن متى يسترفد القوم أرفد لا يريد هاهنا أنه قد يحل التلاع قليلا، لان ذلك يدفعه قوله: متى يسترفد القوم أرفد، وهذا يدل على نفى البخل في كل حال، ولأن تمام المدح لا يحصل بإرادته الكثرة. والثاني أن ظلام هنا للكثرة لأنه مقابل للعباد وفى العباد كثرة، وإذا قوبل بهم الظلم كان كثيرا. والثالث أنه إذا نفى الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة، لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر كان للظلم القليل المنفعة أترك، وفيه وجه رابع، وهو أن يكون على النسب: أي لا ينسب إلى الظلم فيكون من بزاز وعطار.