بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس. ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد وما زاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.
وقوله (فيه) فيه وجهان: أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره: لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه. والوجه الثاني: أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق " في " على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ما ذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر. والوجه الثاني: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أي لا ريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله ذلك.
قوله تعالى (للمتقين) اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لأنه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقي، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقي ومتقى اسم ناقص، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك:
متقون ومتقين، ووزنه في الأصل مفتعلون، لأن أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لأن علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
قوله تعالى (الذين يؤمنون) هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون، لأنه من الأمن والماضي منه آمن فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الأسماء