للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لأن ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره.
قوله تعالى (بما أنزل إليك) " ما " هاهنا بمعنى الذي، ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة أي بشئ أنزل إليك، لأنه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك يتحقق الإيمان. والقراءة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الأولى وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آي أخر كقوله " لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم ".
قوله تعالى (وبالآخرة) الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدأ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدأ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال " وللدار الآخرة خير " وقال " واليوم الآخر ".
قوله تعالى (هم يوقنون) هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال:
وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والإعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لأن ماضيه أيقن، والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
قوله تعالى (أولئك) هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولا يصح شئ منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالإضافة، وأولاء لا تصح إضافته لأنه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقي أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و (على هدى) الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أي أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.