تفسير جوامع الجامع - الشيخ الطبرسي - ج ١ - الصفحة ٦
لا تنفد، فكما أنه الكتاب الرابط بين الخالق وخلقه، فكان مبشرا للمؤمنين ومنذرا للكافرين، كذلك هو المبين لأحكام الله وشرائعه، فكان ذا بطون عديدة وتأويلات مختلفة، ثم حث الناس على اقتفاء أثر هذه البطون واستجلاء حقائقها وبيانها للناس، فقال عز من قائل: * (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) * (1)، وقال عز اسمه: * (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلفا كثيرا) * (2).
ثم جاءت السنة النبوية الشريفة لتقرر هذا الحث وتدعو له، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " القرآن مأدبة الله فتعلموا مأدبته ما استطعتم، إن هذا القرآن هو حبل الله، وهو النور المبين، والشفاء النافع " (3).
وقال (صلى الله عليه وآله) أيضا: " إن أردتم عيش السعداء، وموت الشهداء، والنجاة يوم الحسرة، والظل يوم الحرور، والهدى يوم الضلالة، فادرسوا القرآن، فإنه كلام الرحمن، وحرز من الشيطان، ورجحان في الميزان " (4).
اهتمام المسلمين بالقرآن:
ولهذا اهتم المسلمون بالقرآن اهتماما بالغا منذ صدوره من المشرع الحكيم إلى رسوله الكريم، واستمر بعد وفاته قرنا بعد قرن وحتى عصرنا الحاضر، بحيث لم يشهد تاريخ الديانات والشرائع لها مثيلا ولا نظيرا، ذلك أنه ما حظي كتاب في تاريخ البشرية بمثل ما حظي به القرآن العظيم عناية ورعاية من حيث: جمعه وحفظه، وكتابة آياته، وإعراب كلماته وضبط قراءاته، وشرح مفرداته، وتفسير آياته، وبيان بديعه، وإظهار إعجازه، واستخراج موضوعاته، وترجمة آياته وكلماته، وبيان أحكامه، وتفصيل محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه،... إلى غير ذلك.

(١) محمد: ٢٤.
(٢) النساء: ٨٢.
(3) جامع الأخبار للسبزواري: ص 114، مستدرك الحاكم: ج 1 ص 555.
(4) أمالي الطوسي: ج 1 ص 5، جامع الأخبار للسبزواري: ص 115.
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»