كنيته وسبب قطع رجله وكان قد سافر إلى مكة حرسها الله تعالى وجاور بها زمانا فصار يقال له لذلك جار الله، وكان هذا الاسم علما عليه، وقد اشتهر أن إحدى رجليه كانت ساقطة وأنه كان يمشي في جارن من خشب. واختلف في سبب سقوطها، فقيل إنه كان في بعض أسفاره ببلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله وأنه كان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك، خوفا من أن يظن من لم يعلم صورة الحال أنها قطعت لريبة، والثلج والبرد الكثير ما يؤثر في الأطراف في تلك البلاد فتسقط به خصوصا خوارزم فإنها في غاية البرودة، ومنها خلق كثير سقطت أطرافهم بهذا السبب فلا يستبعده من لا يعرفه.
وقيل إن الزمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن سبب قطع رجله، فقال له:
دعاء الوالدة، وذلك أني كنت في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله فأفلت من يدي فأدركته وقد دخل في خرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي لذلك وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخارى أطلب العلم فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي وعملت علي عملا أوجب قطعها، والله أعلم بالصحة.
الإجازة بمؤلفاته وكان الحافظ أبو الطاهر أحمد بن محمد السلفي قد كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ مجاور بمكة حرسها الله يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته فرد جوابه بما لا يشفي الغليل.
فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع الحجاج استجازة أخرى اقترح فيها مقصوده ثم قال في آخرها:
ولا يحوج أدام الله توفيقه إلى المراجعة، فالمسافة بعيدة، وقد كاتبته في السنة الماضية فلم يجب بما يشفي الغليل وله في ذلك الأجر الجزيل.
فكتب الزمخشري ما لم يكن له في حساب، ولولا خوف التطويل لذكرت الاستدعاء والجواب، لكن لا بأس بذكر بعض الجواب، وهو: ما مثلي مع أعلام العلماء إلا كمثل السها مع مصابيح السماء، والجهام الصفر من الرهام، مع الغوادي الغامرة للقيعان والآكام، والسكيت المخلف مع خيل السباق، والبغاث مع الطير العتاق، وما التقليب بالعلامة، إلا شبه الرقم بالعلامة، والعلم مدينة أحد بابيها الدراية، والثاني الرواية، وأنا في كلا البابين ذو بضاعة مزجاة، ظلي فيه أقلص من ظل حصاة.
أما الرواية فحديثة الميلاد قريبة الإسناد، لم تستند إلى علماء نحارير، ولا إلى أعلام مشاهير.
وأما الدراية فثمد لا يبلغ أفواها، وبرض ما يبل شفاها، ولا يغرنكم قول فلان في وفلان.
وعدد جماعة من الشعراء والفضلاء مدحوه بمقاطيع من الشعر وأوردها كلها، ولو سردناها لطال الحال، ثم قال: فإن ذلك اغترار منهم بالظاهر المموه، وجهل بالباطن المشوه، ولعل الذي غرهم مني ما رأوا من حسن النصح للمسلمين، وإيصال الشفقة إلى المستفيدين، وقطع المطامع عنهم، وإضافة المبار والصنائع عليهم، وعزة النفس والرب ء. بها عن السفاسف الدنيات، والإقبال على خويصتي والإعراض عما لا يعنيني، فجللت في عيونهم