الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٣ - الصفحة ٤٦٥
ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد * الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب * يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد * الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب
____________________
تعالى - ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا - كان اليهود النصارى يقولون للمؤمنين كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن خير منكم وأولى بالحق. وقيل من بعد ما استجاب الله لرسوله ونصره يوم بدر وأظهر دين الإسلام (داحضة) باطلة زالة (أنزل الكتاب) أي جنس الكتاب (والميزان) والعدل والتسوية، ومعنى إنزال العدل أنه أنزله في كتبه المنزلة، وقيل الذي يوزن به. بالحق ملتبسا بالحق مقترنا به بعيدا من الباطل، أو بالعرض الصحيح كما اقتضته الحكمة، أو بالواجب من التحليل والتحريم وغير ذلك (الساعة) في تأويل البعث فلذلك قيل (قريب) أو لعل مجئ الساعة قريب. فإن قلت: كيف يوفق ذكر اقتراب الساعة مع إنزال الكتاب والميزان؟ قلت: لأن الساعة يوم الحساب ووضع الموازين للقسط، فكأنه قيل: أمركم الله بالعدل والتسوية والعمل بالشرائع قبل أن يفاجئكم اليوم الذي يحاسبكم فيه ويزن أعمالكم ويوفى لمن أوفى ويطفف لمن طفف.
المماراة: الملاجة لأن كل واحد منهما يمرى ما عند صاحبه (لفى ضلال بعيد) من الحق لأن قيام الساعة غير مستبعد من قدرة الله ولدلالة الكتاب المعجز على أنها آتية لا ريب فيها ولشهادة العقول على أنه لابد من دار الجزاء (لطيف بعباده) بر بليغ البر بهم قد توصل بره إلى جميعهم وتوصل من كل واحد منهم إلى حيث لا يبلغه وهم أحد من كلياته وجزئياته. فإن قلت: فما معنى قوله (يرزق من يشاء) بعد توصل بره إلى جميعهم؟ قلت: كلهم مبرورون لا يخلو أحد من بره إلا أن البر أصناف وله أوصاف، والقسمة بين العباد تتفاوت على حسب تفاوت قضايا الحكمة والتدبير، فيطير لبعض العباد صنف من البر لم يطر مثله لآخر ويصيب هذا حظ له وصف ليس ذلك الوصف لحظ صاحبه، فمن قسم له منهم مالا يقسم للآخر فقد رزقه وهو الذي أراد بقوله تعالى - يرزق من يشاء - كما يرزق أحد الأخوين ولدا دون الآخر على أنه أصابه بنعمة أخرى لم يرزقها صاحب الولد (وهو القوى) الباهر القدرة الغالب على كل شئ (العزيز) المنيع الذي لا يغلب. سمى ما يعمله العامل مما يبغي به الفائدة والزكاء حرثا على المجاز، وفرق بين عملي العاملين بأن من عمل للآخرة وفق في عمله وضو عفت حسناته، ومن كان عمله للدنيا
(٤٦٥)
مفاتيح البحث: العزّة (1)، الضلال (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 460 461 462 463 464 465 466 468 469 470 471 ... » »»