فيها تمنعهم من عذاب الله وإنزاله بهم على يد نبيه، فجعل تعالى امتناعهم من رسوله امتناعا منه.
وقوله تعالى " فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا " أي اتاهم أمر الله من حيث لم يحتسبوا مجيئه منه " وقذف " أي ألقى " في قلوبهم الرعب " وهو الخوف " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين " معناه إنهم كانوا يهدمون بيوتهم بأيديهم من داخل ليهربوا ويخرب المؤمنون من خارج - على ما ذكره الحسن - ثم قال تعالى " فاعتبروا يا أولي الابصار " معناه اتعظوا وفكروا فلا تفعلوا كما فعل هؤلاء فيحل بكم ما حل بهم. والحصون جمع حصن، وهو البناء العالي المنيع، يقال:
تحصن فلان إذا امتنع بدخوله الحصن.
ومن استدل بهذه الآية على صحة القياس في الشريعة فقد أبعد. لأن الاعتبار ليس من القياس في شئ، وإنما معناه الاتعاظ على ما بيناه، ولا يليق بهذا الموضع قياس في الشرع، لأنه لو قال بعد قوله " يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين " فقيسوا الأرز على الحنطة، لما كان كلاما صحيحا ولا يليق بما تقدم. وإنما يليق بما تقدم الاتعاظ والانزجار عن مثل افعال القوم من الكفر بالله.
وقوله تعالى " ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء " معناه لولا أن الله كتب في اللوح المحفوظ بما سبق في علمه انهم يجلون عن ديارهم يعني اليهود (لعذبهم في الدنيا) بعذاب الاستئصال. والجلاء الانتقال عن الديار والأوطان البلاء. وقيل:
هو الفرار عن الأوطان يقال: جلا القوم عن منازلهم جلاء، وأجليتهم إجلاء.
ثم قال (ولهم في الآخرة) مع الجلاء عن الأوطان في الدنيا (عذاب النار) يعذبون بها. ثم بين لم فعل بهم ذلك فقال (ذلك) أي فعلنا بهم ذلك (بأنهم شاقوا الله ورسوله) وخالفوهما وعصوهما. ثم توعد من يسلك مسلكهم في المشاقة لله