التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٨٣
وحقيقة الميراث هو انتقال تركة الماضي بموته إلى الثاني من ذوي قرابته.
وحقيقة ذلك في الأعيان، فإذا قيل ذلك في العلم كان مجازا. وقولهم: العلماء ورثة الأنبياء، لما قلنا. والخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله خبر واحد، لا يجوز أن يخص به عموم القرآن ولا نسخه به.
وقال بعضهم: إن داود كان له تسعة عشر ولدا ذكورا وورثه سليمان خاصة، فدل على أنه إنما ورثه العلم والنبوة، فخبر واحد لا يلتفت إليه.
وقوله * (يا أيها الناس علمنا منطق الطير) * أي فهمنا معاني منطقها وما نفهم به بعضها عن بعض، قال المبرد: والعرب تسمي كل مبين عن نفسه ناطقا ومتكلما قال رؤبة:
لو انني أوتيت علم الحكل * علم سليمان كلام النمل (1) وقال الرماني * (منطق الطير) * صوت يتفاهم به معانيها على صيغة واحدة، بخلاف منطق الناس إذ هو صوت يتفاهمون به معانيهم على صيغ مختلفة، لذلك لم نفهم عنها مع طول مصاحبتها، ولم تفهم هي عنا، لان افهامها مقصورة على تلك الأمور المخصوصة، ولما جعل سليمان يفهم عنها، كان قد علم منطقها.
وقوله * (وأوتينا من كل شئ) * لفظه لفظ العموم، والمراد به الخصوص لأنه لم يؤت أشياء كثيرة. وقيل: المعنى * (وأوتينا من كل شئ) * يطلبه طالب لحاجته إليه وانتفاعه به، ويحتمل أن يكون المراد * (وأوتينا من كل شئ) * علما وتسخيرا في كل ما يصلح أن يكون معلوما لنا ومسخرا، غير أن مخرجه مخرج العموم أبلغ وأحسن.
ثم اخبر ان سليمان كان قد قال هذا القول: إن هذا لهو الفضل الظاهر. اعترافا

(1) مقاييس اللغة (حكل) 2 / 91
(٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 ... » »»
الفهرست