فالاستضعاف طلب الضعف فكل من يجاهر غيره بما يقتضي ضعفه يقال قد استضعفه، والاستكبار طلب الكبر بغير حق، وكانوا يتعظمون هؤلاء الكفار بالجهل الذي صمموا عليه وصاروا رؤساء فيه ليحققهم به " لولا أنتم لكنا مؤمنين " لكن بسببكم يمنع، فهؤلاء إذا أخبروا عن ظنهم، فقد صدقوا كأنهم قالوا في ما نظن، لأنه هكذا يقتضي ظاهر خبرهم، كما إذا أخبروا عما يفعلونه في المستقبل، فهو اخبار عن عزمهم، ولو كان كذبا لأنكر الله ذلك واتبعه بما يدل على انكاره، كما قال " انظر كيف كذبوا على أنفسهم " (1) ثم حكى ما أجابهم به المستكبرون فإنهم يقولون في جوابهم " أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم "؟! منكرين عليهم قولهم إنهم منعوهم من الايمان بعد تبين الحق فيه، وليس الامر على ما تقولونه " بل كنتم " أنتم " مجرمين " ثم حكى تعالى ما يقول الذين استضعفوا فإنهم يقولون " بل مكر الليل والنهار " معناه مكركم في الليل والنهار - في قول الحسن - كما قال الشاعر:
لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى * ونمت وما ليل المطي بنائم (2) أي بنائم فيه. وقيل: كأن الليل والنهار يمكران بطول السلامة فيهما.
و (المترف) المنعم البطر بالنعمة " إذ تأمروننا " أي حين تأمروننا " أن نكفر بالله " أي ان نجحد بالله " ونجعل له أندادا " أي أمثالا في العبادة " وأسروا الندامة " أي أخفوا الندامة بينهم " لما رأوا العذاب " نزل بهم، ولام بعضهم بعضا. وقال الجبائي: معناه أظهروا الندامة، قال: وهذا مشترك. وهذا غلط، لان لفظة الاخفاء هي المشتركة دون لفظ الاسرار، فحمل أحدهما على الآخر قياس في اللغة " وجعلنا الاغلال في أعناق الذين كفروا " الاغلال جمع غل والله