التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٨ - الصفحة ٢٥٢
أهديتموها لتعوضوا أكثر منها، فلا يربو عند الله، لأنكم قصدتم زيادة العوض دون وجه الله، وهو كقوله " ولا تمنن تستكثر " (1) فمن مد أراد أعطيتم من قوله " فآتاهم الله ثواب الدنيا " (2) ومن قصره فالمعنى يؤول إلى قول من مد إلا أنه على لفظ (فعلتم) ومدهم لقوله " وما آتيتم من زكاة " فلقوله " وإيتاء الزكاة " (3) ولو قال أتيت الزكاة لجاز أن يعني به: فعلتها ولكن لفظ القرآن على الايتاء. ومن ضم " لتربوا " فالمعنى لتصيروا ذوي زيادة في ما آتيتم من أموال الناس أي يستدعونها من أربى إذا صار ذا زيادة مثل أقطف واضرب. ومن فتح أسند الفعل إلى الربا المذكور وقدر المضاف، فحذفه كما قيل: اجتذاب أموال الناس واجتلابه. ويجوز ذلك. وسمي هذا المدفوع على هذا الوجه ربا لما كان فيه من الاستزادة.
يقول الله تعالى مخبرا عن خلقه بأنه إذا أذاقهم رحمة من عنده بأن ينعم عليهم بضروب النعم ويصح أجسامهم ويدر أرزاقهم ويكثر. مواشيهم وغير ذلك من النعم، إنهم يفرحون بذلك ويسرون به ف‍ (إذا) شرط وجوابه " فرحوا بها " وإنما جاء الجزاء ب‍ (إذا) ولم يجئ ب‍ (حين)، لان (إذا) أشبه بالفاء من جهة البناء، والزم للفعل من جهة أنه لا يضاف إلى مفرد، فصار بمنزلة الفاء في ترتيب الفعل، وليس كذلك (حين). وشبه إدراك الرحمة بادراك الطعم، فسماه ذوقا. " وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم " هو اخبار منه تعالى أنه إن أصابهم عذاب من الله تعالى جزاء على ما كسبته أيديهم " إذا هم يقنطون "

(1) سورة 74 المدثر آية 6 (2) سورة 3 آل عمران آية 148 (3) سورة 24 النور آية 37 وسورة 21 الأنبياء آية 73
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»
الفهرست