التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٥٤
وقد يكون بمعنى ان يجعله يسير، وهذا هو معنى تسيير الجبال، وإنما يسيرها (الله تعالى، ويخبر به، لما في ذلك من الاعتبار في الدنيا. وقيل يسيرها) (1) بأن يجعلها هباء منبثا، ومعنى " وترى الأرض بارزة " أي لا شئ يسترها، يحشر الخلائق حتى يكونوا كلهم على صعيد واحد، ويرى بعضهم بعضا، وكل ذلك من هول يوم القيامة، أخبر الله به للاعتبار به والاستعداد بما يخلص من أهواله.
وقوله " وحشرناهم " أي بعثناهم وأحييناهم بعد أن كانوا أمواتا " فلم نغادر منهم أحدا " أي لم نترك واحدا منهم لا نحشره. والمغادرة الترك، ومنه الغدر ترك والوفاء، ومنه الغدير لترك الماء فيه. وقيل: نغادر نخلف. وقيل: أغدرت وغادرت واحد.
وقوله " وعرضوا على ربك صفا " قيل معناه انهم يعرضون صفات بعد صف كالصفوف في الصلاة. وقيل المعنى انهم يعرضون على ربهم لا يخفى منهم أحد فكأنهم صف واحد. وقيل: انهم يعرضون، وهم صف، ويقال لهم " لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة " يعني جئتم إلى الموضع الذي لا يملك الامر فيه أحد إلا الله، كما خلقناكم أول مرة لا تملكون شيئا. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (يحشرون حفاة عراة عزلا) فقالت عائشة: أفما يحتشمون يومئذ، فقال النبي صلى الله عليه وآله (لكل امرء منهم يومئذ شأن يغنيه) ويقال لهم أيضا " بل زعمتم " في دار الدنيا " أن لن نجعل لكم موعدا " يعني يوم القيامة، وانكم أنكرتم البعث والنشور.
ثم قال الله تعالى " ووضع الكتاب " يعني الكتب التي فيها أعمالهم مثبتة " فترى المجرمين مشفقين مما فيه " اي يخافون من وقوع المكروه بهم والاشفاق الخوف من وقوع المكروه مع تجويز ألا يقع، وأصله الرقة، ومنه الشفق: الحمرة الرقيقة التي

(1) ما بين القوسين ساقط من المطبوعة
(٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 ... » »»
الفهرست