التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٧ - الصفحة ٣٥٤
وقوله " ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " المعنى جعلنا الانسان، وهو من ولد من نسل آدم " نطفة " وهي القطرة من ماء المني التي يخلق الله منها الحيوان، على مجرى العادة في التناسل، فيخلق الله من نطفة الانسان إنسانا ومن نطفة كل حيوان ما هو من جنسه. ومعنى " مكين " أي مكين لذاك، بأن هيئ لاستقراره فيه إلى بلوغ أمده الذي جعل له.
وقوله " ثم خلقنا النطفة علقة " فالعلقة القطعة من الدم إذا كانت جامدة، فبين الله تعالى أنه يصير تلك النطفة علقة، ثم يجعل العلقة مضغة، وهي القطعة من اللحم.
ثم اخبر انه يجعل المضغة " عظاما ". وقرئ " عظما " وهي قراءة ابن عامر وأبي بكر عن عاصم. فمن قرأ " عظاما " أراد ما في الانسان من أقطاع العظم. ومن قرأ " عظما " فلانه اسم جنس يدل على ذلك.
ثم بين تعالى انه يكسو تلك " العظام لحما " ينشئه فوقها، كما تكسى الكسوة.
وقوله ثم " أنشأناه خلقا آخر " يعني بنفخ الروح فيه - في قول ابن عباس ومجاهد - وقيل: نبات الأسنان والشعر، واعطاء العقل والفهم. وقيل " خلقا آخر " معناه ذكر أو أنثى. ثم قال " فتبارك الله أحسن الخالقين " ومعنى (تبارك) استحق التعظيم بأنه قديم لم يزل، ولا يزال، وهو مأخوذ من البروك، وهو الثبوت.
وقوله " أحسن الخالقين " فيه دلالة على أن الانسان قد يخلق على الحقيقة، لأنه لو لم يوصف بخالق إلا الله، لما كان لقوله " أحسن الخالقين " معنى. وأصل الخلق التقدير، كما قال الشاعر:
ولانت تفري ما خلقت وبعض * القوم يخلق ثم لا يفري (1) ثم خاطب الخلق. فقال (ثم إنكم) معاشر الخلق بعد هذا الخلق والاحياء

(1) مر تخريجه في 6 / 369
(٣٥٤)
مفاتيح البحث: عبد الله بن عباس (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»
الفهرست