لما كان رضا أحدهما رضا الآخر، ومثله قوله " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " (1) ولم يقل ينفقونهما لدلالته على ذلك و " الثرى " التراب الندي، فله تعالى " ما تحت الثرى " إلى حيث انتهى، لأنه مالكه وخالقه ومدبره، وكل شئ ملكه يصح، والله تعالى مالكه بمعنى أن له التصرف فيه كيف شاء.
وقوله " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " معناه وإن تجهر بالقول لحاجتك لسمعه أي تجهر به، فإنه تعالى يعلم السر وأخفى من السر. ولم يقل وأخفى منه، لأنه دال عليه، كما يقول القائل: فلان كالفيل أو أعظم، وهذا كالحبة أو أصغر.
والجهر رفع الصوت يقال: جهر يجهر جهرا، فهو جاهر والصوت مجهور، وضده الهمس. و (السر) ما حدث به الانسان غيره في خفية، وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يحدث به غيره - هذا قول ابن عباس - وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير: السر ما أضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد. وقال قوم: معناه يعلم السر والخفي. وضعف هذا لأنه ترك الظاهر وعدول بلفظه (أفعل) إلى غير معناها من غير ضرورة، ولان حمله على معنى أخفى أبلغ إذا كان بمعنى أخفى من السر، فلما قول الشاعر:
تمنى رجال ان أموات وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد (2) إنما حمل على أن المراد (بأوحد) أحد، لان الوحدة لا يقع فيها تعاظم، فاخرجه الشاعر مخرج ما فيه تعاظم ورد المعنى إلى الواحد. ثم اخبر تعالى بأنه " الله " الذي تحق له العبادة " لا إله " يحق له العبادة " إلا هو له الأسماء الحسنى " وإنما ذكر الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الاحاسن، لان الأسماء مؤنثة يقع عليها (هذه) كما