يقول الله تعالى ليس كل من في السماوات والأرض من العقلاء إلا وهو يأتي الرحمن عبدا مملوكا لا يمكنهم جحده، ولا الامتناع منه، لأنه يملك التصرف فيهم كيف شاء. ثم قال تعالى إنه " قد أحصاهم وعدهم عدا " أي علم تفاصيلهم وأعدادهم فكأنه عدهم، لا يخفى عليه شئ من أحوالهم. ثم قال: وجميعهم يأتي الله يوم القيامة فردا مفردا، لا أحد معه ولا ناصر له ولا أعوان، لان كل أحد مشغول بنفسه لا يهمه هم غيره. ثم قال تعالى " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات " أي آمنوا بالله ووحدانيته وصدقوا أنبياءه، وعملوا بالطاعات سيجعل الله لهم ودا أي سيجعل بعضهم يحب بعضا، وفي ذلك أعظم السرور وأتم النعمة، لأنها كمحبة الوالد لولده البار به. وقال ابن عباس ومجاهد: " سيجعل لهم الرحمن ودا " في الدنيا. وقال الربيع بن أنس إذا أحب الله عبدا طرح محبته في قلوب أهل السماء، وفى قلوب أهل الأرض. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وآله " إنما يسرناه بلسانك " يعني القرآن " لتبشر به المتقين " لمعاصي الله بالجنة " وتنذر به " أي تخوف به (قوما لدا) أي قوما ذوي جدل مخاصمين - في قول قتادة - وهو من اللدد، وهو شدة الخصومة، ومنه تعالى " وهو ألد الخصام " (1) أي أشد الخصام خصومة وهو جمع ألد. ك (أصم، وصم) قال الشاعر:
إن تحت الأحجار حزما وعزما * وخصيما ألد ذا معلاق (2) ثم اخبر الله تعالى فقال " وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد " أي هل تدرك أحدا منهم " أو تسمع لهم ركزا " قال ابن عباس وقتادة والضحاك: الركز الصوت. وقال ابن زيد: هو الحس، والمراد - ههنا - الصوت، ومنه الركاز، لأنه يحس به حال من تقدم بالكشف عنه، قال الشاعر: