التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٤٩٣
يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون (109) آيتان هذا حكاية ما قال أشراف قوم فرعون، أن موسى ساحر عليهم بالسحر، وإنما قيل للاشراف الملا لامرين: أحدهما - قال الزجاج: لأنهم مليئون بما يحتاج إليه منهم. الثاني - لأنه يملا الصدر هيبتهم، فالملا جعل الوعاء على كل ما يحتمل مما يلقى فيه كامتلاء المكيال ونحوه. ويقال: الخلاء والملا على وجه التقابل، وقوم فرعون هم الجماعة الذين كانوا يقومون بأمره ومعاونته ونصرته، ولهذا لا يضاف القوم إلى الله، فلا يقال: يا قوم الله كما يقال يا عباد الله، والسحر لطف الحيلة في إظهار أعجوبة توهم المعجزة وقال الأزهري السحر صرف الشئ عن حقيقته إلى غيره، والساحر إنما يكفر بادعاء المعجزة، لأنه لا يمكن مع ذلك علم النبوة.
وأصل السحر خفاء الامر، ومنه خيط السحارة، لخفاء الامر فيها، ومنه قوله تعالى " إنما أنت من المسحرين " (1) أي الذين يعدون لخفاء الامر في العدو، والسحر العدو، والسحر آخر الليل لخفاء الشخص ببقية ظلمته، والسحور طعام السحر، والسحر الرئة وما تعلق بها لخفاء أمرها في انتفاخها تارة وضمورها أخرى، قال ذو الرومة:
وساحرة الشراب من الموامي * يرقص في نواشرها الاروم (2) ويقال: سحر الأرض المطر إذا جادها فقطع نباتها من أصوله بقلب الأرض ظهرا لبطن، سحرها سحرا والأرض مسحورة، فشبه سحر الساحر بذلك بتخييله إلى من سحره أنه يرى الشئ بخلاف ما هو به.

(1) سورة 26 الشعراء آية 153، 185.
(2) ديوانه: 591 واللسان (أرم) وتفسير الطبري 13 / 19 وروايته:
وساحرة السراب من الموامي * ترقص في عساقفها الاروم.
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»
الفهرست