فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٥ - الصفحة ٥
إلى أحد العالمين وذلك هو الجهل والضلال فما أعظم غفلتك يا مسكين وبين يديك هذه الأهوال فإن كنت لا تؤمن بالكبرى للجهل والضلال أفلا تكفيك القيامة الصغرى ألك اعتذار بعد قول سيد الأبرار كفى بالموت واعظا أما تستحي من استبطائك هجوم الموت اقتداءا برعاع الغافلين الذين لا ينظرون * (إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون) * فيأتيهم المرض نذيرا من الموت فلا ينزجرون ويأتيهم الشيب رسولا منه فما يعتبرون * (فيا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزؤون) * أيظنون أنهم في الدنيا خالدون * (ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون) * أم يحسبون أن الموتى سافروا من عندهم فهم يعودون كلا * (إن كل لما جميع لدينا محضرون) * لكن * (ما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين) * قال الحراني: والوعظ دعوة الأشياء بما فيها من العبرة للانقياد للإله الحق مما يخوفها في مقام التذكير بما يرجيها ويبسطها (وكفى باليقين غنى) لأنه سكون النفس عند جولان الموارد في الصدر لتيقنك أن حركتك فيها لا تنفعك ولا ترد عنك مقضيا فإذا رزق العبد السكون إلى قضاء الله والرضى به فقد أوتي الغناء الأكبر قال الخواص: الغنى حق الغنى من أسكن الله قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن عطاياه رضى فذاك الغني كل الغنى وإن أمسى طاويا وأصبح معوزا. (تنبيه) قد تضمن هذا الخبر الحث على الزهد وهو أمر قد تطابقت عليه الملل والنحل قال الغزالي: التوراة والإنجيل والزبور والفرقان وصحف موسى وصحف إبراهيم وكل كتاب منزل ما أنزل إلا لدعوة الحق إلى الملك الدائم المخلد والمراد منهم أن يكونوا ملوكا في الدنيا والآخرة أما ملك الدنيا فبالزهد والقناعة وأما الآخرة فبالقرب منه تعالى يدرك بقاء لا فناء فيه وعزا لا ذل معه والشيطان يدعوهم إلى ملك الدنيا ليفوت عليهم ملك الأخرى إذ هما ضرتان ونعيم الدنيا لا يسلم له أيضا لكدرها ومنازعتها وطول الهم والغم وإلا لحسده عليها أيضا فلما كان الزهد أيضا جاء حتى عداه عنه ومعنى الزهد أن يملك العبد شهوته وغضبه وبذلك يصير العبد حرا وباستيلاء الشهوة يصير عبدا لبطنه وفرجه وسائر أغراضه فيكون مسخرا كالبهيمة يجره زمام الشهوة إلى حيث يريد فما أعظم اغترار الإنسان أيظن أنه ينال المال بمصيره مملوكا وينال الربوبية بأن يصير عبدا ومثله هل يكون إلا معكوسا في الدنيا منكوسا في الآخرة ولهذا قال بعض الملوك لبعض الزهاد: هل لك حاجة قال: كيف أطلب منك حاجتي وملكي أعظم من ملكك قال: كيف؟ قال: من أنت عبده فهو عبدي أنت عبد شهوتك وغضبك وفرجك وبطنك وأنا ملكتهم فهم عبيدي فهذه هو الملك في الدنيا وهو الجار إلى ملك الآخرة فالمخدوعون بالغرور خسروا الدنيا والآخرة. (طب) من حديث الحسن البصري (عن عمار) بن ياسر وضعفه المنذري وقال العلائي: حديث غريب منقطع لأن الحسن لم يدرك عمارا وفيه أيضا الربيع بن بدر قال الدارقطني: متروك، وقال الهيثمي: فيه الربيع بن بدر متروك، وقال الحافظ العراقي: سنده ضعيف جدا، وهو معروف من قول الفضيل بن عياض. 6246 - (كفى بالموت مزهدا في الدنيا ومرغبا في الآخرة) لأنه أعظم المصائب وأبشع الرزايا
(٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست