فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٧١٩
على من زعم أن الرسول يعلم الغيب فيطلع على البواطن فلا يخفى عليه شئ فأشار إلى أن الوضع البشري يقتضي أن لا يدرك من الأمور إلا ظواهرها فإنه خلق خلقا لا يسلم من قضايا تحجبه عن حقائق الأشياء فإذا ترك على ما جبل عليه ولم يطرأ عليه تأييد بالوحي السماوي طرأ عليه ما يطرأ على سائر البشر (أن يكون ذلك له زكاة) نماء وزيادة في الخير (وأجرا) ثوابا عظيما منه تعالى قال في الزاهر معنى اشترطت عليه جعلت بيني وبينه علامة ومنه قولهم نحن في أشراط الفتنة أي في علاماتها ثم إن هذا من كمال شفقته على الخلق واتساعه في معرفة الحق قال العارف الشاذلي كان إذا آذاني إنسان يهلك للوقت وأنا الآن ليس كذا فقيل كيف قال اتسعت المعرفة (حم م عن جابر) بن عبد الله.
2570 - (إنما أنا بشر) أي واحد منهم في البشرية ومساو لهم فيما ليس من الأمور الدينية وهذا إشارة إلى قوله تعالى * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) * [الكهف: 110] فقد ساوى البشر في البشرية وأمتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي تبليغ الأمور الدينية (إذا أمرتكم بشئ من دينكم) أي إذا أمرتكم بما ينفعكم في أمر دينكم (فخذوا به) أي افعلوه فهو حق وصواب دائما (وإذا أمرتكم بشئ من رأيي) يعني من أمور الدنيا (فإنما أنا بشر) يعني أخطئ وأصيب فيما لا يتعلق بالدين لأن الإنسان محل السهو والنسيان ومراده بالرأي الرأي في أمور الدنيا على ما عليه جمع لكن بعض الكاملين قال أراد به الظن لأن ما صدر عنه برأيه واجتهاده وأقر عليه حجة الإسلام مطلقا (م عن رافع بن خديج) قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يؤبرون النخل قال ما تصنعون قالوا كنا نصنعه قال لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرا فتركوه فنقصت ثمرته فذكره قال القرطبي إنما قال ذلك لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة فإنه لم يكن ممن يعاني الزراعة والفلاحة ولا باشر ذلك فخفي عليه فتمسك بالقاعدة الكلية التي هي أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل ولا خالق ولا مدبر إلا الله فإذا نسب شئ إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرفية.
2571 - (إنما أنا بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الخبرة بما يحصل للأشجار والثمار ونحو ذلك لا بالنسبة إلى كل شئ (وإن الظن يخطئ ويصيب ولكن ما قلت لكم قال الله فلن أكذب على الله) أي لا يقع عني فيما أبلغه عن الله كذب ولا غلط عمدا ولا سهوا وهذا كالذي قبله يفيد أنه لم يكن التفاته إلى الأمور الدنيوية ولم يكن على ذكر منه إلا المهمات الأخروية (حم ه عن طلحة) بن عبد الله قال مررت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل فرأى قوما يلقحون فذكره نحو ما تقرر في التأبير.
(٧١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 714 715 716 717 718 719 720 721 722 723 724 ... » »»