فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٧١٧
والفسوخ فحكم الحاكم ينفذ ظاهرا وباطنا فيما الباطن فيه كالظاهر وظاهرا فقط فيما يترتب على أصل كاذب فلو حكم بشاهدي زور بظاهر العدالة لم يحصل بحكمه الحل باطنا، فهو حجة على الحنفية في قولهم ينفذ باطنا أيضا حتى لو حكم بنكاح شاهدي زور حل له وطؤها عندهم وأجابوا عن الخبر بما فيه تعسف وتكلف (مالك) في الموطأ (حم ق ع عن أم سلمة) قالت: سمع النبي صلى الله عليه وسلم خصومه بباب حجرته فخرج إليهم فذكره.
2567 - (إنما أنا بشر) قال الراغب: عبر عن الإنسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده بخلاف الحيوانات التي عليها صوف أو شعر أو وبر واستوى في لفظه الواحد والجمع (تدمع العين) رأفة ورحمة وشفقة على الولد تنبعث على التأمل فيما هو عليه لا جزع وقلة صبر (ويخشع القلب) لوفور الشفقة (ولا نقول) معشر المؤمنين (ما يسخط الرب) أي يغضبه (والله يا إبراهيم) ولده من مارية (إنا بك) أي بسبب موتك (لمحزونون) فيه الرخصة في البكاء بلا صوت والإخبار عما في القلب من الحزن وإن كان كتمه أولى، ودمع العين وحزن القلب لا ينافي الرضى بالقضاء وقد كان قلبه صلى الله عليه وسلم ممتلئا بالرضى ولما ضاق صدر بعض العارفين عن جمع الأمرين عند موت ولده ضحك فقيل له فيه فقال إن الله قضى قضاء فأحببت الرضى بقضائه، فحال المصطفى صلى الله عليه وسلم أكمل من هذا فإنه أعطى المعبودية حقها واتسع قلبه للرضي فرضي عن الله تعالى بقضائه وحملته الرأفة على البكاء وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماعهما فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة (ابن سعد) في الطبقات (عن محمود بن لبيد) بن عقبة بن رافع الأوسي الأشهلي المدني صحابي صغير وجل روايته عن الصحابة ورواه البخاري وأبو داود في الجنائز ومسلم في الفضائل عن أنس بلفظ إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون انتهى وقد سمعت غير مرة أن الحديث إذا كان في أحد الصحيحين ما يفيد معناه فالعدول عنه لغيره ممنوع عند المحدثين.
2568 - (إنما أجلكم) في رواية للبخاري إنما بقاؤكم (فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (خلا) قبلكم (من الأمم) السابقة (كما) أي مثل الزمن الذي (بين) آخر وقت (صلاة العصر) المنتهية (إلى مغارب) وفي رواية غورب (الشمس) ظاهره أن بقاء هذه الأمة وقع في زمن الأمم السابقة وليس مرادا بل معناه أن نسبة مدة عمر هذه الأمة إلى أعمار من تقدم من الأمم مثل ما بين العصر والغروب إلى بقية النهار فكأنه قال إلى بقاؤكم بالنسبة لما خلا إلخ فجعل في بمعنى إلى وحذف ما تعلقت به وهو النسبة كما حذف ما تعلقت به إلى (وإنما مثلكم) أيها الأمة فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به قوله (ومثل اليهود والنصارى كمثل رجل) في السياق حذف تقديره مثلكم مع نبيكم ومثل أهل
(٧١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 712 713 714 715 716 717 718 719 720 721 722 ... » »»