فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٥٦٧
وأعظم الناس وفاء بذلك ومحافظة عليه وإن تقادم عهده: الصوفية، وأنشد بحضرة العارف الشاذلي:
رأى المجنون في البيداء كلبا * * فجر له من الإحسان ذيلا فلاموه لذاك وعنفوه * * وقالوا لم أنلت الكلب نيلا فقال دعوا الملامة إن عيني * * رأته مرة في حي ليلي فقال له كرر فلم يزل يتواجد وينتحب ثم قال جزاك الله خيرا يا بني على وفائك بعهدك إن حسن العهد من الإيمان والعهد لغة له معان منها حفظ الشئ ومراعاته حالا بعد حال والمراد هنا عهد المعرفة المتقدمة (ك) في الإيمان (عن عائشة) قالت جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم عجوز فقال من أنت قالت جثامة المزنية قال بل أنت حسانة المزنية كيف حالكم كيف كنتم بعد ذا قالت بخير فلما خرجت قلت تقبل هذا الإقبال على هذه قال إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان قال الحاكم على شرطهما ولا علة له وأقره الذهبي.
2265 - (إن حقا على الله أن لا يرتفع شئ من أمر الدنيا إلا وضعه) أي أن عدم الارتفاع حق على الله تعالى فعل متعلق بحقا وأن لا يرتفع خبر إن وأن مصدرية فتكون معرفة والاسم نكرة ويمكن أن يقال على صفة حقا أي حق ثابت على الله قاله الطيبي وهذا قاله صلى الله عليه وسلم لما سبقت ناقته العضباء كانت لا تسبق (1) وهذا تزهيد في الدنيا وحث على التواضع وهوانها عند الله تعالى وتنبيه على ترك الفخر والمباهاة وأن كل ما هان على الله ففي محل الصنعة قال بعض العارفين إن كنت أنت ذلك الشئ فانتظر وضع الله إياك وما أخاف على من هذه صفته إلا أنه تعالى إذا وضعه يضعه في النار، قال ابن بطال فيه هوان الدنيا على الله والتنبيه على ترك المباهاة والفخر وأن كل شئ هان على الله في محل الضعة فحق على كل ذي عقل أن يزهد فيها. حكي أن رجلين تنازعا في جدار فأنطق الله لبنة منه فقالت كنت ملكا ألف سنة ثم صرت رميما ألفا فأخذت مني خزفا فانكسرت فاتخذت مني لبنا وأنا في هذا الجدار منذ كذا فلما تنازعا قال البوني سره أنه لما كان من ملوك الدنيا الفانية جعله الله في أحقر الدرجات إذ الأكثرون هم الأقلون والأعظمون هم الأحقرون بوم القيامة (حم خ) في الجهاد (د) في الأدب (ن) كلهم (عن أنس) بن مالك وأما ما اشتهر على الألسنة من خبر ما عز شئ إلا وهان فلا أصل له كما قال السخاوي وما ذكره في معناه.

(1) وفي الحديث اتخاذ الإبل للركوب المسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للارشاد إلى أن كل شئ منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي (ص) وتواضعه لكونه رضي أن أعرابيا يسابقه وعظمته في صدور أصحابه.
(٥٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 562 563 564 565 566 567 568 569 570 571 572 ... » »»