فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٣
الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر وفي بعض الروايات إن العبد ليس له من صلاته إلا ما عقل أي فيكتب له منها ما عقل فقط وذلك فضل عظيم عند الله لأن صلاته كانت في موجب الأدب أسرع إلى العقوبة منها إلى أن يكتب له ما عقل إذ لا يدري بين يدي من هو حتى يلتفت إلى غيره بقلبه وهو واقف راكع ساجد بجسده قال الحسن البصري كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع وقال بعضهم كل صلاة كانت منك عن ظهر غيب مختلط بأنواع العيوب وبدن نجس بأقذار الذنوب ولسان متلطخ بأنواع المعاصي والفضول لا تصلح أن تحمل إلى تلك الحضرة العلية، وقال إمام الحرمين انظر أيها العاقل هل وجهت قط صلاة من صلواتك إلى السماء كمائدة بعثتها إلى بيوت الأغنياء وقال الوراق ما فرغت قط من صلاة إلا استحيت حين فرغت منها أشد من حياء امرأة فرغت من الزنا، وعلم مما تقرر أن مقصود الخبر الزجر عن كل ما ينقص الثواب أو يبطله بالأولى، وتمسك به من جعل الخشوع شرطا للصحة كالغزالي وأجيب بأن الذي أبان عنه الخبر هو أنه لا يثاب إلا على ما عمل بقلبه وأما الفرض فيسقط والذمة تبرأ بعمل الجوارح (1) (حم د حب عن عمار بن ياسر) بمثناة تحتية ومهملة قال العراقي إسناده صحيح ولفظ رواية النسائي إن الرجل يصلي ولعله أن لا يكون له من صلاته إلا عشرها أو تسعها أو ثمنها أو سبعها حتى انتهى إلى آخر العدد وفي رواية له أيضا منكم من يصلي الصلاة كاملة ومنكم من يصلي النصف والثلث والربع حتى بلغ العشر قال الحافظ الزين العراقي رجاله رجال الصحيح وسبب الحديث كما في رواية أحمد أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخف بها فقيل له يا أبا القطان خففت فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئا قالوا: لا قال: قد بادرت سهو الشيطان إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فذكره.

(١) وفي هذا الحديث الحث الأكيد والحض الشديد على الخشوع والخضوع في الصلاة وحضور القلب مع الله تعالى ونص على الإتيان للسنن والآداب الزائدة على الفرائض والشرط فإن الصلاة لا تقع صحيحة ويكتب للمصلي فيها أجر كالعشر والتسع إلا إذا أتى بهما أي بالفرائض والشروط كاملين فمتى أخل بفرض أو شرط منها لم تصح ولم يكتب له أجر أصلا ويدل على هذا قول عمار في أول الحديث هل رأيتموني تركت شيئا من حدودها وقوله إني بادرت سهو الشيطان يدل على أن ذهاب تسعة أعشار فضل الصلاة من وسوسة الشيطان وذكره شيئا من الأمور الدنيوية واسترساله في ذكره ومن أعرض عما يذكره به الشيطان ولم يسترسل معه لا ينقص من أجره شئ كما دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم إن الله تعالى تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها وهذا العشر الذي يكتب للمصلي يكمل به تسعة أعشار من التطوعات كما روى أبو يعلى عن أنس رضي الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما يحاسب به الصلاة يقول الله انظروا في صلاة عبدي فإن كانت كاملة حسب له الأجر وإن كانت ناقصة يقول انظروا هل لعبدي من التطوع فإن كان له تطوع تمت الفريضة من التطوع وهذا كله حيث لا عذر له فأما من سمع بكاء صبي فخفف لأجله فله الأجر كاملا.
(٤٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 418 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 ... » »»