فيض القدير شرح الجامع الصغير - المناوي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٢
السماوات والأرض إذ به تقوم وبه تستنزل الخيرات وذلك تنبيه على اختصاصه سبحانه بالخيرات الإبداعية والبركات المتوالية (اتخذني خليلا) قال الحرالي من المخاللة وهي المداخلة فيما يقبل التداخل حتى يكون كل واحد خلال الآخر وموقع معناها الموافقة في وصف الرضى والسخط، فالخليل من رضاه رضى خليله وفعاله فعاله وهذه رتبة لا تنال بجد ولا اجتهاد (كما اتخذ إبراهيم خليلا) لأن الله تعالى لما علم من كل منهما أحوالا بديعة وأسرارا غريبة عجيبة وصفات قد رضيها أهلهما لمخاللته ومخالطته قال ابن القيم: وما ظنه بعض المخالطين أن المحبة أكمل من الخلة وأن إبراهيم خليل ومحمد حبيب فمن جهله فإن المحبة عامة والخلة خاصة والخلة نهاية المحبة (وأن خليلي) من البشر (أبو بكر) (1) وأما خبر لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر فقاله قبل العلم وفي رواية لابن ماجة بعد: كما اتخذ الله إبراهيم خليلا فمنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنة تجاهين والعباس بيننا مؤمن بين خليلين. وفي رواية للحاكم علي بدل العباس وفي الكل مقال (طب عن أبي أمامة) قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال فيه يحيى الحماني وهو ضعيف، وأقول لم أر يحيى في سنده فلعله في محل آخر وإنما رأيت فيه عبيد الله بن زحر ومر أن الذهبي قال له صحيفة واهية.
1662 - (إن الله تعالى) حال لازمة أي متعاليا عما لا يليق بعلى جناب قدسه (أجاركم) حماكم ومنعكم وأنقذكم وحفظكم (من ثلاث خلال) أي خصال الأولى (أن لا يدعو عليكم نبيكم) كما دعي نوح على قومه (فتهلكوا) بكسر اللام (جميعا) أي بل كان النبي صلى الله عليه وسلم كثير الدعاء لأمته واختبأ دعوته المجابة لأمته يوم القيامة، والثانية (أن لا يظهر) بضم أوله وكسر ثالثه (أي لا يغلب أهل) دين (الباطل) وهو الكفر وإن كثر أنصاره (على) دين (أهل الحق) وهو الإسلام وإن قلت أعوانه فلا يغلب الحق بحيث يمحقه ويطفئ نوره قال التوربشتي ولم يكن ذلك بحمد الله مع ما ابتلينا به من الأمر الفادح والمحنة العظمى بتسلط الأعداء علينا ومع استمرار الباطل فالحق أبلج والشريعة قائمة لم تخمد نارها ولم يندرس منارها، وقال القاضي المراد بالظهور الظفر المؤدي إلى قمع الحق وإبطاله بالكلية ولعله أراد به أن أهل الكفر والإيمان إذا تحاربوا على الدين ولم يكن غرض سواه لم تظفر الكفار على المسلمين انتهى، ومن ذهب إلى أن المراد لا يظهر أهل الباطل على أهل الحق مطلقا يحتاج لحمله على الظهور وكل الظهور، وقيل هو عند نزول عيسى عليه السلام فلا يبقى إلا الإسلام أو خروج المهدي وقيل المراد إظهار الحق بالحجج والبراهين والقصد أن أهل الباطل وإن ظهروا فمآل أمرهم إلى الأفول والخمول، والثالثة (أن لا تجتمعوا على ضلالة) قال الطيبي حرف النفي في القرائن زائد كقوله تعالى: * (ما منعك ألا تسجد) * وفائدته توكيد معنى الفعل وتحقيقه وذلك لأن الإجارة لا تستقيم إلا إذا كانت الخلال

(1) أي الصديق رضي الله عنه فهو أفضل الناس على الاطلاق بعد الأنبياء.
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»