بالمدينة ذكره السمهودي (تأكل القرى) أي تغلبها في الفضل حتى يكون فضل غيرها بالنسبة إليها كالعدم لاضمحلالها في جنب عظيم فضلها كأنها تستقري القرى تجمعها إليها أو الحرب بأن يظهر أهلها على غيرهم من القرى فيفنون ما فيها فيأكلونه تسلطا عليها وافتتاحها بأيدي أهلها فاستعير الأكل لافتتاح البلاد وسلب الأموال وجلبها إليه (يقولون يثرب) أي تسميها الناس بذلك باسم رجل من العمالقة نزلها أو غيره وبه كانت تسمى قبل الإسلام (وهي) أي والحال أن اسمها اللائق إنما هو (المدينة) إذ هم كانوا يقولون ذلك والاسم المناسب الحقيق بأن تدعى به هو المدينة فإنها تليق أن تتخذ دار إقامة وأما يثرب فمكروه بما يؤول إليه التثريب والتثريب الفساد والتوبيخ والملامة قال النووي رضي الله تعالى عنه فيكر تسميتها به وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يحب الاسم الحسن ويكره القبيح وتسميتها في القرآن بيثرب إنما هو حكاية قول المنافقين والذين في قلوبهم مرض وهي (تنفي الناس) أي شرارهم وهمجهم يدل عليه التشبيه بقوله (كما ينفي الكير) فإنه ينفي (خبث الحديد) رديئه والكور بضم الكاف موقد النار من حانوت نحو حداد والكير بالكسر زقه الذي ينفخ فيه والمراد ما بني من طين والخبث، بفتحتين ما تبرزه النار من الجواهر المعدنية وبضم فسكون الشئ الخبيث جعل مثل المدينة وساكنيها مثل الكير ما يوقد عليه في النار فيميز به الخبيث من الطيب فيذهب الخبيث ويبقى الطيب كما كان في زمن عمر رضي الله عنه حيث أخرج أهل الكتاب وأظهر العدل والاحتساب فزعم عياض أن ذا مختص بزمنه غير صواب قيل وفيه أنها أفضل من مكة ورجح واعترض (ق) في الحج (عن أبي هريرة) ورواه عنه أيضا النسائي.
1640 - (أمرت الرسل) الظاهر أن المراد به ما يشمل الأنبياء (أن لا تأكل إلا طيبا) أي حلالا متيقن الحل فلا تأكل حراما ولا ما فيه شبهة وإن جاز الثاني لغيرهم لأنهم لسمو مقامهم يشدد عليهم وحسنات الأبرار سيئات المقربين وهذا ناظر إلى قوله تعالى * (يا أيها الرسل كلوا من الطيبات) * [المؤمنون: 51] (ولا تعمل إلا صالحا) فلا يفعلون غير صالح من كبيرة ولا صغيرة عمدا أو سهوا قبل النبوة أو بعدها لعصمتهم، قال حكيم لآخر أوصني، قال: اعمل صالحا وكل طيبا (ك) في الأطعمة (عن أم عبد الله بنت أوس) الأنصاري (أخت شداد بن أوس) قالت: بعثت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح لبن عند فطره فرد عليها الرسول (ص) أنى لك هذا قالت من شاة لي، قال: أنى لك الشاة قالت: اشتريتها من مالي فشرب فذكره قال الحاكم صحيح فرده الذهبي بأن أبا بكر بن أبي مريم راويه واه انتهى ورواه أيضا الطبراني باللفظ المزبور وفيه أيضا ابن أبي مريم.
1641 - (أمرنا) بالبناء للمفعول أي أنا وأمتي (بإسباغ الوضوء) أي بإكماله على ما شرع فيه من